شارك
|

كاتدرائية "المريمية".. تتعانق قبتها مع المئذنة لترى الهلال والصليب معاً

تاريخ النشر : 2015-08-19

كنيسة "المريمية" تتوسط الطريق المستقيم في "دمشق القديمة"، وتعتبر المقر البطريركي للكنيسة الإنطاكية الأرثوذكسية، فتتعانق قبتها مع المئذنة لترى الهلال والصليب معاً.

 

يقول الرحالة العربي "ابن جبير" بعد أن زار الكنيسة عام 1184 للميلاد: "في داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم تعرف بكنيسة "مريم" ليس بعد كنيسة بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي جميلة البناء تتضمن من التصاوير أمراً عجيباً يبهر الأفكار ويستوقف الأبصار، ومرآها عجيب".

 

كنيسة "المريمية" أو الكاتدرائية "المريمية" إحدى الكنائس التي تقع في "دمشق القديمة" تقع في يسار الطريق المستقيم المتجه إلى "باب شرقي" من "باب الجابية" وتعد من الكنائس الأثرية السورية القديمة التي يعود تاريخها إلى البداية الأولى لانتشار المسيحية في "دمشق"، والكنيسة تتبع لطائفة الروم الأرثوذكس وهي مقر بطريركية "أنطاكية" وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يعود تاريخ الكنيسة إلى "المريميين" وهم المسيحيين الأوائل في "دمشق" الذين كانوا يؤدون شعائرهم الدينية سراً إلى عهد الإمبراطور "قسطنطين الأول" عندما اعترفت الإمبراطورية البيزنطية بحرية العبادة فخرج المريميون مع كنيستهم الأولى إلى العلن وكرسوها على اسم "مريم العذراء" وبقيت كنيسة السيدة "مريم" في الخدمة حتى وصول الفتح الإسلامي لمدينة دمشق .

 

وكانت كنيسة "المريمية" مغلقة حتى العام 706 م ما أدى إلى إهمالها وتخريبها وفي نفس العام قام الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" بإعادتها إلى الرعية الأرثوذوكسية مقابل كاتدرائية "يوحنا المعمدان" والتي أصبحت فيما بعد "الجامع الأموي" حيث قال لهم: "إننا نعوض عليكم عن كنيسة "يحيى" بكنيسة "مريم"، تعرضت الكنيسة بعد عهد "عمر بن عبد العزيز" للكثير من الحرائق والأعمال التخريبية ففي عام 926 م دُمرت الكنيسة بفعل بعض المخربين وأمر الخليفة "المقتدر بالله" بإعادة ترميمها وفي عام 950 م أُحرقت بأمر من "أحمد بن طولون" وفي عام 1009 م أُحرقت مرة ثانية وأما بعهد الوالي التركي "ختكين" فأُعيد بناء الأسقفية "المريمية" والكنيسة فقام الأهالي بتجميلها وتزيينها حتى أصبحت من الأماكن الرائعة في "دمشق وأخيراً في عام 1342 م انتقل مركز الكرسي البطريركي الأنطاكي إلى الكنيسة "المريمية" وأصبحت مقراً بطريركياً لطائفة الروم الأرثوذكس.

 

وفي عام 1759 م وقعت في "دمشق" هزة أرضية عنيفة أدت إلى تصدع جدران الكنيسة فبقيت الكنيسة على حالها حتى وصول البطريرك "دانيال" عام 1767م والذي استأذن والي "دمشق" "محمد باشا العظم" بهدمها وإعادة بنائها وكان ذلك في عام 1777 م وفي عام 1953 م عانت الكنيسة من تصدع في سقفها فقام البطريرك "ألكسندروس الثالث" بتجديدها وإعادة النقوش إليها بأموال تم تقديمها من الحكومة السورية ومن مؤسسات الرعية الأرثوذكسية، طراز الكنيسة يعود إلى الطراز البيزنطي وهي تتسع لحوالي ستمئة شخص وتقام فيها الشعائر الدينية والصلوات، يتوسط الكنيسة من الداخل وعلى الجانبين منبران من الحجر لكل منهما سلما ملتفاً كانا يستخدمان لقراءة الإنجيل المقدس من زمن بعيد وفيها على الجانبين "بالبيما" وهو مكان وقوف الكورال الذي يردد الصلوات والتراتيل خلف الكاهن وأما في صدر الكنيسة فيوجد "الأيقونسطاس" وهو عبارة عن حاجز خشبي يمتد على عرض الكنيسة يوضع عليه أيقونات "للسيد المسيح" و"السيدة العذراء" وبقية الرسل وأيضاً يوجد منصة يقف عليها الكهنة لتأدية الصلوات وخلفها يوجد المذبح والغرف المخصصة للطقوس الدينية... وللكنيسة طابق علوي كان يستخدم سابقا كمكان لصلاة النساء، وسقف الكنيسة من الخشب ويعتبر لوحة فنية رائعة لما يحتويه من نقوش وزخارف، وأما الجدران فتملؤها اللوحات الفنية والأيقونات المختلفة وللكنيسة فسحة أمامية وأخرى جانبية فيها البرج الجرسي.

 

أقسام الكاتدرائية عبارة عن خمس كنائس الأولى كنيسة السيدة "مريم" وهي الكنيسة الرئيسية، وكنيسة "مار تقلا" وهي كنيسة تم ضمها للكنيسة المريمية وهي مقر الكرسي بطريركي الأنطاكي للروم الأرثوذكس، وأيضاً كنيسة القديسة "كاترينا" وهي كنيسة تم ضمها أيضا للكنيسة المريمية خلال الترميم ويوجد فيها متحف للألبسة والأوسمة والأيقونات المتوارثة من البطاركة والرهبان، كما يوجد أقسام أخرى مثل ساحة كنيسة القديسين "كبريانوس ويوستينا"، وكنيسة القديس "نيقولاوس العجائبي" وهما كنيستان تم ضمهما إلى الكنيسة المريمة، كما أن هناك البرج الجرسي الذي تم بناؤه في زمن البطريرك إسبريدون 1891 م، وهناك أيضاً جناح كامل للمقر البطريركي فيه صالة كبيرة لاستقبال الضيوف وعدد من الغرف ومكتبة. يقع بجانب الكنيسة من الخارج مئذنة متوسطة الطول كانت تستخدم من أيام الدولة العثمانية لإقامة الآذان في المنطقة كما يوجد القوس الروماني الأثري "قوس النصر". هذا هو جمال "دمشق" وتاريخها حيث ترى الكنائس والمساجد والآثار لتتشابك مع بعضها فتشكل بقعة فنية صغيرة تحكي عن عراقة المكان.


عدد القراءات: 14741

اخر الأخبار