من المواقع الاستراتيجية الهامة عبر التاريخ تتموضع فوق صهوة جبل شاهق ذي منحدرات عمودية وهو جزء من الأعضاد الأولى لجبل الشيخ بارتفاع 816م عن سطح البحر وتتبع قرية جباتا الزيت إحدى قرى الجولان السوري المحتل مطلة على بانياس والحولة. والصبيبة : تصغير من الصبة وهي مربض الخيل.
أما عن سبب تسميتها بالنمرود فتقول الروايات الدينية القديمة أن هذا الاسم يعود لملك جبار يدعى النمرود كان يقطن في القلعة وهو الذي ألقى بسيدنا إبراهيم في النار (فكانت بردا وسلاما على إبراهيم) ولشدة غروره بعث الله بعوضة دخلت في أنفه فنخرت رأسه ومات بكفره.
وصف قلعة النمرود
تنبسط القلعة بشكل طولاني رائع على الجبل المسمى باسمها بطول 420م وعرض 60-150م ومساحة تقدر ب33 دونم.
والجدير بالذكر أنه لا يمكن الصعود إلى القلعة إلا من طرفها الجنوبي لأن أطراف الجبل الأخرى واقفة كالجدران الهائلة.
وتقع الأعين على مناظر غاية في الروعة والجمال إذا تم الدخول إلى القلعة من بابها الجنوبي. أما في الجهة الغربية فتشرف القلعة على بانياس وما وراءها من ربوع فلسطين والحولة وأرض الخيط وسلسلة جبال عامل.
ويقف جبل الشيخ المكلل بالثلوج بمرتفعاته الهائلة وأعضاده المتدرجة في الجهة الشرقية الشمالية وتشاهد جباتا الزيت وبساتينها ووادي صعب ووادي السكاوي ووادي الدفلة (الدفين) وهذه الأودية تكون مصدر نهر بانياس. كما ترى الآكام الذاهبة صعدا نحو القنيطرة والقرى المتربعة هناك في الجهة الجنوبية.
وفي الحديث عن وصف القلعة فهناك باحة مستطيلة من الغرب الجنوبي إلى الشرق الشمالي بتضاريسها الطبيعية والأحراش الرهيبة وهي مليئة بأنقاض مباني عديدة وهي بناء يقال إنه (كنيسة) مربع الشكل لا تزال بقايا أعمدته بقواعدها المثمنة الأضلاع.
وهناك ستة أبراج في القسـم الجنوبي الشرقي على امتداد السور منها ما هو مربع الشكل ومنها ما هو مدور وهذه الأبراج ترتبط ببعضها بجدران تدعى سجوف الخط الدفاعي.
وقد بني هذا الســور على يـد العزيز عثمــان 1230م أما الأبراج الموجودة فيه فهي من أيام الظـاهر بيبرس ما بين عام 1260 وعام 1277م.
وفي الجهة اليمينية من باب القلعة يوجد بـرج عظيم مربع الشكل شديد البروز شيد زمن السلطان الظاهر بيبرس 1275 م متهدم بسبب الزلزال سنـة 1759م ما عدا قسم كبير من جدار مع درج وثلاثة طوابق للدفاع.
في الطابق الأعلى يوجد بهو واطئ مسقوف بعقود ذات زوايا بارزة،وفي هذا البهو عدة منافذ تصل إلى غرفتين تعلوهما نقوش عربية تفيـد بأنها مكــان قصر السلطان بيبرس، وإلى جانب هذا البرج يوجد صهريج مملوء بالماء وله درج ينحدر إلى الأسفل، وإلى جانب الصهريج المذكور يوجد نافورة مياه للشـرب (السبيل) على الجانب الشرقي للخزان بناها الســعيد حسـن بن العزيز عثمان سنـة 1240م.
وعلى السور الشرقي يوجد البرج الثالث ويســمى البرج الجميل وهو ذو ثمانية أضلاع وسقف هذا البرج مقبب وهو مدور وبارز إلى الأمام. يتميز هذا البرج بأنه برج دفاعي وفيه ست كوى مجهزة بمرامي سجوف البرج الرابع المهدمة التي لم يبق منها سوى قواعد جدرانها.
البرج الرابع مدور ويحتوي على طابق دفاعي معقود وهو مثقوب بمرامي بقي منها اثنتان ثم البرج الخامس والسادس حيث ترتفع الأرض نحو الشمال الشرقي حتى تصل إلى الحصن الكبير ويسـمى بالفرنسـية دنـجوان.
والطـريق إليه عبر جسـر خشبي من زمن العزيز عثمان وهو يشرف على القلعة بكاملها (وهو متهدم وأحجاره مبعثرة) وهذا الحصن هو عبارة عن قلعة داخلية مستقلة وهو محصن في جنوبه من ناحية الباحة بخندق وبرجين ضخمين، وفي وسطه بناء مستطيل الشكل يؤلف بذاته الحصن الأخير المستقل عن الحصن الكبير وعن القلعة بذاتها. وتحت الحصن يوجد دهاليز معقودة بعضها يصل إلى البرج الأخير وهو أقوى أبراج القلعة وأمتنها، وعلى بعـد أمتار إلى شرق البرج يوجد بركـة مياه طول 54متر بــعرض 26 م كان الأهالي يستخدمونها لسقي المواشي والزراعة.
وفي أقصى الشمال الغربي يوجد غرفة طويلة قد تهدمت بالكامل وفيها بهو وله باب سري للخروج وله دهليز تحت الأرض ينتهي بالوادي.
وفي السور الشمالي لا يوجد سوى برج وحيد هو البرج الشمـالي، ذلك أن القلعة تشرف على شفا منحدر سحيق يقف وقفة عمودية هائلة تطل على وادي خشبي يصعب الصعود منه، وقد شيـد البرج الشمالي زمن السلطان بيبرس وجدرانه مثقـوبة لرمــي النبال ويوجـد فيه ســلم يمكــن الصعود إلى سطـح البرج وفي داخل البرج قاعــة كبيرة ويعتقد أنها كانت تستـخدم سجنا في القرن الخامس عشـر.
أما في الواجهة الغربية فهناك برج مخرب وفي قاعدته ينفتح سرداب محفور في الأرض كان مملوء بالأنقاض ويهبط بدرج إلى لحف الجبل وهذا السرداب كان يتجه قديما نحو الشمال ثم ينعطف فجأة نحو الشرق، وجدران هذا السرداب مؤلفة من أحجار منحـوتة ومصقولة بإتقان ويعتقد بأنه كان يستخدم كمهرب للنجاة والهروب.
في تاريخ قلعة النمرود
إن تاريخ هذه القلعة مرتبط بذكريات الحروب التي جرت في بلاد الشام وفي الأخص الحروب الصليبية ويعتبر الأيوبيون هم أول من شرع ببناء هذا الحصن لمواجهة الخطر الصليبي
وتذكر التواريخ أن الأتابك ظهير الدين طغتكين (520ه -1126م) كان قد سلمها إلى الطائفة الإسماعيلية بسبب استفحال أمرهم ونفوذهم في حلب ودمشق آملا أن يدفع شرهم ويسلطهم على الصليبيين ولكنهم عملوا عكس ذلك فأبدوا الخيانة متواطئين مع الصليبيين حيث سلموهم القلعة فاحتلها الملك الصليبي (بلدوين) سنة 1129م ومنحها إقطاعية لروبينه بروس ولورثته من بعده.
وفي سنة (527ه -1132م) جاء شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين وهو حاكم دمشق فاستردها، ووضع فيها أحد قواده، لكن هذا الأخير سلمها إلى عماد الدين زنكي صاحب حلب الذي كـان خصما لآل طغتكين أصحاب دمشق. فقام آخر هؤلاء وهو مجير الدين أبق بن محمد بن بوري واتفق مع الصليبيين على استخلاص القلعة من الزنكي.... وزحف جيشه مع جيشهم وحاصر بانياس وقذف القلعة بالمنجنيقات واحتلوها سنة (544ه – 1139م) واستلمها الفرنجة بعد أن طردوا حليفهم مجير الدين المذكور وأرجعوه بخفي حنين، وجعلوا فيها القائد الصليبي انفروي الثاني دوترون نائب ملك القدس.
وظلت القلعة في أيدي الصليبين إلى أن جاء الملك العادل نور الدين بن محمود بن عماد الدين الزنكي وشرع يهاجم القلعة إلى أن تمكن من استعادتها سنة (560 هـ - 1157 م).
واستقرت القلعة بيد العرب وقد أعطاها السلطان الأكبر صلاح الدين الأيوبي لأحد أولاده وهو الملك الأفضل لما أعطاه بلاد الشام كلها ثم انتقلت إلى يد عمه الملك العادل أبو بكر الذي أقطعها لولده الملك العزيز عثمان حاكم بانياس، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ابنه السعيد حسن (وقد أعاد الأب والابن بناء الأبراج التي خربها المعظم عيسى بن السلطان صلاح الدين لمنع الفرنجة من استخدامها كقاعدة لهجماتهم الشريرة على دمشق، وقد استمرت أعمال الترميم من سنة 1226م - 1230م، تم في ختامها بناء الحصن المنيع للقلعة بشكلها الذي نراها عليه اليوم، حيث أخذت القلعة شكل التل الذي بنيت عليه، مستفيدة من الانحدارات الشديدة له.
في عام 1260 قضى المغول على حكم الأيوبيين، واحتلوا القلعة وعاثوا فيها خرابا بعد أن سيطروا على بانياس والمنطقة بأسرها. لكن احتلالهم لم يستمر طويلا، وسيطرتهم على القلعة لم تدم سوى بضعة أشهر، حيث هزم المغول في معركة عين جالوت الشهيرة. وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس أعاد ترميمها وأنشأ منارة لجامعها وبنى دار ا لنائب السلطنة، وعمل جسرا يمشى عليه إلى القلعة.
بعد أن تم طرد الصليبيين من بلاد المسلمين في القرن الثالث عشر، فقدت هذه القلعة ذكرها وأهميتها الإستراتيجية، وأصبحت مأوى للزعماء الإقطاعيين في أيام السلاطين المماليك والعثمانيين.
وفي ذكر للأحداث التي جرت سنة 1616 م يذكر كتاب (لبنان في عهد الأمراء الشهابيين) أن محمد باشا الوزير أصدر حكما بهدم قلعة النمرود وقلعة أخرى تدعى قلعة شقيف ووعد الأمير يونس ابن حرفوش بستجقية حمص إذا تم هدم القلاع المذكورة وتم الامر في 40 يوما . وفي عام 1174ه-1760م يقال ان دب الخلاف بين أمير حاصبيا سليمان وأخويه الأمير إسماعيل والأمير بشير فاسترضاهما بأن اقتطع لهما الحولانية وولاهما إياها فجددا القلعة واستوطنا فيها.
وفي رواية أخرى يقول المرجع نفسه أنه في سنة (1178 –هـ/1764م) أصلح الأمير إسماعيل حاكم حاصبيا قلعة النمرود، وسكن فيها فحضر إليه والي الشام عثمان الصادق الكرخي وحاصره مدة وجيزة، وقد كان حين بلغه خروج عثمان باشا من الشام أرسل يستنجد بالأمير منصور الشهابي وقبل أن ينجده سلم القلعة بيد يوسف آغا ابن جيري، وقبض عثمان باشا على الأمير إسماعيل ناهبا كل ما كان في القلعة من مال وأثاث ثم أمر بهدمها.
وأخيرا يتحدث كتاب (الريف السوري) أنه لابد أن تكون الزلازل التي كانت تهز بلاد الشام من حين لآخر وخاصة زلزال سنة 1173هـ... قد أثرت في هذه القلعة وزادت الخراب الذي أورثته الجيوش وأوصلتها إلى الحالة التي هي فيها خاوية على عروشها. هذا وخلال الثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي (1925م – 1927م) أقام الفرنسيون في هذه القلعة حامية لمراقبة حركات الثوار وقطع الطريق عليهم، إلى أن انتهت الثورة فعادت لخلوها واقفرارها.
رزان محمد