شارك
|

مدينة الياسمين تستعد لاستقبال شهر الخير

تاريخ النشر : 2016-06-04

تقرير: أمين عوض

 

يأتي رمضان ككل عام يرخي بأجوائه الجميلة وظلاله الرائعة على العاصمة السورية دمشق وأحيائها القديمة، فيفوح عبق القداسة والتسامح في كل ركنٍ من أركان مدينة بني أمية، التي تزخر بنسائم العشق والسلام ما فتئت.

موقع "المغترب السوري" نزل للشارع، و تجول في الأسواق والشوارع الدمشقية، وحاول رصد جانبٍ من النفس الأصيل الذي تعبق فيه هذه الأسواق قبل حلول الشهر المبارك.

مقصدنا الأول كان شارع الشعلان، الذي لطالما كان نافذةً للشباب السوري يرتادونه في أوقات فراغهم, يجتمعون على البسمة والأمل بغدٍ يكون جيداً بكل المعايير، بعد أزمةٍ أنهكت البشر والحجر.

 

قصي كان قد أنهى هو زملائه امتحانهم لأحد المواد الجامعية حين التقيناهم وهم يحتسون أكواباً من العصير البارد أمام أحد المحال, يقول قصي: "لرمضان في سورية وتحديداً في دمشق نكهةً لطالما كانت مميزةً، فالجميع يمارس في هذا الشهر طقوساً تختلف عن كل الأشياء التي يقومون بها على مدار العام، تبدأ من الطقوس الدينية وتنسحب شيئاً فشيء على الطقوس الاجتماعية والغذائية وغيرها"، يختم قصي حديثه قائلاً: "لكن يوجد شيء ناقص، أشتاق لأصدقائي وجمعتهم بعد الإفطار في مقاهي الشام، فعددٌ كبيرٌ منهم أصبح في الخارج وتقلص حجم شلتنا لربما للربع، آمل أن نعود ونلتقي وتحديداً في دمشق، فاجتماعنا هنا سيكون له طعمٌ آخر".

 

أبو محمد هو الآخر كان في سوق "التنابل" بالشعلان يشتري عدداً من الاحتياجات التي يعتبرها ملحةً للشهر المبارك, بادرنا بالقول عندما رآنا :" حاجياتٌ كثيرة تلك التي تحتاجها أي عائلة خلال شهر رمضان المبارك، فالمواد التي يُصنع منها الناعم والعرقسوس وبعض أنواع الحلويات هي من أساسيات أي منزل، وحده مكون الأحبة، ومن هم في الخارج هو ما ينقصنا لتكتمل مظاهر "لمة الغوالي" كما يصفها العم أبو محمد في رمضان".

 

غادرنا شارع الشعلان، واتجهنا نحو سوق الحميدية والبذورية العريقين، الذين يشكلان جزءاً لا يمحى من ذاكرة أي سوريٍ داخل الوطن وخارجه، وهناك كانت الأسواق مكتظةً تعجُ بالمارة من كل حدبٍ وصوب يحاولون مسابقة الزمن وإنهاء الاستعدادات الأخيرة لقدوم الضيف الخفيف الظل.

 

السيدة خلود كانت تقف وبناتها الثلاث أمام أحد محلات الأغباني القابعة في وسط السوق، اقتربنا منها، وألقينا عليها التحية وسألناها عن استعدادات أسرتها لشهر رمضان فأجابت :"كجميع العائلات في سورية، تقوم ربة البيت أو السيدة نظراً لانشغال الرجال بأعمالهم في أغلب الأوقات، بالتحضير والاستعداد لشهر رمضان من خلال الذهاب للأسواق، لا سيما تلك التي تبيع المنتجات والمواد الغذائية، ولكن في بعض الأحيان قد تتجه السيدة لشراء أمور أخرى غير تلك الغذائية كما هو الحال الآن، فنحن نبحث عن مفارش للطاولات ولوحات دينية نزين بها المنزل خلال الشهر الفضيل وعيد الفطر، فمثل هذه الأمور تضفي جواً روحياً مميزاً على كل البيوت، وبعضها سأرسلها مع ابنتي الكبيرة المتزوجة التي ستأتي من الإمارات هي وزوجها للاحتفال معنا بالشهر الفضيل هنا في سورية، فكما يقول زوجها الأردني رمضان في سورية له نكهةٌ مختلفة ومميزة عن أي بقعةٍ أخرى في العالم".

 

ومن الحميدية اتجهنا نزولاً في شوارع القيمرية القديمة نحو باب توما، التي كانت هي الأخرى مكتظةً بأعدادٍ كبيرة من المارة والشباب والتقينا أبو جورج أحد الخياطين القديمين في نزلة الحجر، الذي رحب بنا وحدثنا عن ذكرياته مع رمضان في دمشق قائلاً: " لقد كانت أياماً جميلة بحق، كنا نتلهف لقدوم رمضان في باب توما كأي حي آخر في دمشق، حيث كانت سهرات ما بعد الإفطار وسكبات رمضان التي كانت تأتي من بيوت الجيران من أروع تلك الطقوس، ولا أنسى أبداً ذلك الصوت الرائع الذي كان يأتي من صوب الجامع الأموي عند صلاة التراويح، أجواء رائعة ليتها تعود من جديد، ولكنني أثق بإيماننا ببعض وبالأرض التي نقيم عليها، وبهمة الإخوة في المغترب السوري، ستعود سوريانا أجمل مما كانت وسيعود الأحبة جميعاً إلى حضن الوطن الذي لا بديل عنه".

 

هكذا انتهى يومنا الطويل بين ثنايا حارات الياسمين وشوارع البلد، التي كانت تستعد لاستقبال شهر الرحمة والبركة، ملقيةً عن كاهلها همومها الكثيرة، مضمدةً جراحها، مؤمنةً بغدٍ أفضل، كيف لا وهي التي لطالما كانت منارةً للعالم أجمع ترسل رسائل الحب والسلام مع ياسمينها ومع كل إشراقة شمس، تمني النفس بعودةِ الأبناء ليجتمعوا مرةً أخرى تحت سمائها الزرقاء.


عدد القراءات: 12036

اخر الأخبار