شارك
|

عالعين ياأمْ الزلف زلفا يا موليا ... من هي أم الزلف؟

تاريخ النشر : 2018-05-28

خاص - لبانة علي 

 

ارتبطت الأغنية الشعبية منذ وجودها بالواقع الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي لمجتمعنا العربي ومازالت إلى يومنا هذا ، حيث كان أجدادنا يحيونها من خلالها مناسباتهم، ويستعينون بها على أسفارهم، ويعبرون فيها عن مشاعرهم الحزينة أو السعيدة، وخاصة "أم الزلف" و"الدلعونا" التي امتد انتشارها من "أنطاكيا" شمالاً حتى "خليج العقبة" جنوباً.

 

  ففي "ريف الساحل السوري" لها عشاقها ومحبوها الذين تزين أيامهم وسهراتهم الليلية، ومواسم قطاف حقولهم، وفي أعراسهم ووفياتهم.

 

وكلما تقدم "الرجل الريفي " بالعمر يزداد تعلقه بها فهي تروي- كما قال الجد "محمود " أبو أيمن "- تاريخ حياته ويستذكر بها كل مواقفها الكثيرة، وهنا يقول: "لقد أعدتني الآن خمسة وسبعين عاماً إلى الوراء، عندما كنا نجلس في المساء بعد يوم عمل طويل ونتبادل "المواويل" و"الدلعونات"، حيث كانت تخلق جوّاً من التحدي، ومباراة حامية الوطيس فيما بيننا أنا ومجموعة أصدقاء، والماهر بيننا من يستمر في تأليف الكلمات على نغمة "أم الزلف" و"أبو الزلف" لأنها تتحمل الكثير من الكلمات والتعابير الموزونة على قافيتها الأساسية، إضافة إلى أنها كانت رفيقة دربي إلى الحقل منذ الصباح الباكر، لأن منطقتنا الجبلية صعبة وتحتاج إلى ونيس لكيلا يشعر الشخص بها، ما يدفعني إلى الغناء الدائم على "أم الزلف" و"أبو الزلف"، ووصف كل تراه عيني في الطريق".

 

ويتابع: "لكننا في هذه الأيام نفتقد "أم الزلف" و"الدلعونا" والكثير من الأغاني التراثية في أفراحنا، بسبب زيادة الأغاني الشبابية سريعة الإيقاع، التي تحتاج إلى الكثير من القفز والحركات البهلوانية والأجواء الصاخبة، على عكس "أم الزلف" و"الدلعونا" التي تحتاج إلى الكثير من الحذر والتركيز والأجواء الهادئة، لتتناسب مع حركات المتلقي وأعماله، لذلك يمكنني القول إن لهذه الأغاني أجواءها الخاصة، ومتلقيها الخاصين هذه الأيام".اكيا" شمالاً حتى "خليج العقبة" جنوباً.

من هي أم الزلف ؟

"عالعين يم الزلف زلفا يا موليا" من التراث الشعبي السوري (الزجل) زلف تعني بالسريانية الثوب الموشي أو الزينة أو الجمال ، وأم الزلف هي عشتار وبالسريانية وعشتروت لدى الفينيقيين والكنعانيين وهي آلهة الخصب والجمال والحرب لدى السوريين القدماء ترتدي عشتار زيها الموشى بالمار والفاكهة "الزلف" عندما يقوم "تموز" من الموت موليا تعني الخصب والوفرة والمياه والطبيعة وكلها على صلة بمكانة عشتار لدى السوريين

-هيهات يم الزّلف ..عيني يا موليّا

-تلتين عقلي شرد .. بهوى البنيّا

-هيهات يا أم الزّلف... زلفا يا عينيّا

 

أغنية أم الزّلف تحظى في الريف السوري وفي كل بلاد الشام بشكل عام بشهرة كبيرة وهي مقطوعات شعرية مغناة وكل مقطوعة تمثّل قصة .

يقول المفكر السوري الدكتور علي القّيّم في كتابه الصادر حديثا عن وزارة الثقافة السورية بعنوان "الجمال الموسقي" عن هذه الأغنية التراثية بأن هذه الأغنية لا يغنيّها إلا من يحسن لفظ مقاطعها بلغاها الجميلة ومعانيها الرائعة ,كما أنها تحتاج إلى حنجرة قادرة على مدّ الصوت كي تأخذ المقاطع حقهّا ,ويتابع المفكر القيّم عن هذه الأغنية بأنها ما زالت حاضرة في تراثنا ووجداننا حتى يومنا الحاضر,أم الزّلف أغاني تحتوي الكثير من إشارات الحب والوجد والأحاسيس والحكمة والفرح والحزن ,لذلك فهي تعبّر عن بساطة عيش الأجداد ومعاناتهم وأوجاعهم ,وهي تبتدي بهذا المقطع :

– هيهات يا ام الزّلف

عيني يا موليّا..

ومن خلال الاطلاع على كتاب "البحر الثالث " الصادر حديثا عن وزارة الثقافة السورية  للباحثة التراثية فريال سليمة شويكي , وهو من الكتب التراثية الهامة لمصادر الأغاني الريفية الساحلية في سورية .

 

تقول الباحثة  شويكي عن هذه الأغنية  : أن هيهات اسم بمعنى” بعد” ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، وهناك من يقول أن زلف هي الإلهة عشتار التي تتزيّن للقاء حبيبها كما الأرض التي تزدان بكل انواع الأزهار, وكان ثوب عشتار الذي ترتديه مزيّنا بأنواع الزهر والثمر ورموز الخصب والوفرة والتكاثر ,وكانت تدعى أم الزّلف وتعني في القاموس السرياني  “الزينة والثوب الموّشى”.

ولفظة عالعين يا أم الزّلف زلفا يا صبية ,وهي كلها إشارات إلى الانثى الجميلة ,السيدة رفيعة الشأن والقدر، وزلفا تعني الأبية المتكبرة ,وكلمة موليّا في القاموس السرياني تعني الخصب والوفرة ,وكانت تمثل دور الكاهنة المقدسة أو الملكة التي صارت شجرة الصنوبر “شجرة عشتار”.

لقد أشارت كل المصادر والدراسات إلى قدم هذه الأغنية التراثية الجميلة في تراثنا الشعبي السوري ,فقد كان الناس يرددون كلماتها في عيد الربيع عيد السنة الجديدة ,إبتهالاً بقدوم هذا الفصل الجميل التي تؤرق فيه الأشجار وتنفجر ينابيع المياه فتزهر الورود ، وتنتعش سيقان القمح وتعود الحياة إلى طبيعتها الجميلة الساحرة .

 

"هيهات يا أم الزّلف "..الأغنية التراثية الجميلة التي تحمل عبق الذاكرة العتيقة ما زالت حاضرة متجددة في وجداننا وتراثنا حتى يومنا الحاضر، البعض يراها تصلح للرقص والآخر يجدها حزينة تغنى على أنغام الناي الهادئ الحزين ..

 


عدد القراءات: 20274