شارك
|

الرئيس الأسد: الهدف الأساسي من الحرب التي تتعرض لها سورية إعادتها والمنطقة قرونا إلى الوراء

تاريخ النشر : 2017-11-15

 

استقبل السيد الرئيس بشار الأسد المشاركين في الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني الذي يضم قوى وأحزابا وشخصيات من دول عربية عدة.

 

وشدد الرئيس الأسد خلال اللقاء على أن مواجهة المشكلات التي تواجه الأمة العربية وإعادة الألق إلى الفكر القومي الذي لا يمر بأحسن حالاته اليوم تتطلب العمل الجاد من أجل توضيح بعض المفاهيم التي استهدفت أمتنا من خلالها ومنها محاولات ضرب العلاقة التي تربط العروبة بالإسلام ووضع القومية العربية في موقع المواجهة مع القوميات الأخرى موضحا أن العروبة والقومية العربية هي حالة حضارية وثقافية وإنسانية جامعة ساهم فيها كل من وجد في هذه المنطقة دون استثناء فهي لا تقوم على دين أو عرق محدد وإنما أساسها اللغة والجغرافيا الواحدة والتاريخ والمصالح المشتركة.

 

وأكد أنه من الضروري العمل على توضيح فكرة عدم وجود أي تعارض أو تناقض بين الانتماء إلى العروبة والانتماء إلى الإسلام فكلاهما يصب باتجاه الآخر ويعززه لافتا في الوقت نفسه إلى أهمية تفنيد الطرح العرقي المناهض للتوجه القومي وخصوصا في ظل محاولات تقسيم دول المنطقة على أسس عرقية وذلك من خلال التأكيد على أن العروبة تشمل كل الأعراق والأديان والطوائف وبالتالي فإن التراث العربي والثقافة العربية هي مجموع تراث وثقافات كل الأقوام التي عاشت في هذه المنطقة عبر التاريخ القديم والحديث.

 

ولفت الرئيس الأسد إلى أن هناك عاملا آخر أثر على العمل القومي وهو سياسات بعض الحكومات العربية التي عملت ضد مصالح الشعب العربي عبر خدمة مشاريع خارجية وتسهيل العدوان على دول عربية أخرى الأمر الذي خلق رد فعل سلبيا لدى الكثيرين تجاه القومية والعروبة وهنا يجب عدم الخلط بين الانتماء للهوية والانتماء لنظام سياسي معين لا نرضى عن سياساته وأن نوضح لهؤلاء أن السبب الرئيسي لما نعانيه اليوم من حالات تقسيمية ابتداء بتقسيم العقول وانتهاء بتقسيم الأوطان هو غياب الشعور القومي والانتماء الجامع.

 

وأشار الرئيس الأسد إلى أن أعداء العروبة والفكر القومي حاولوا إلصاق تهمة التخلف بهما والادعاء بأن زمنهما قد ولى في عصر تسوده العولمة وذلك بهدف جعلنا مجرد أدوات لخدمة مصالح مؤسسات مالية كبرى تقودها الولايات المتحدة.. ولا بد لمواجهة ذلك من التمسك بالهوية ودعم الانفتاح والأفكار التطويرية في إطار برنامج واضح يتوافق مع مصالح الشعوب ويراعي تطور العصر.

 

وأكد الرئيس الأسد أن القومية ليست فكرة نظرية وممارسة سياسية فقط بل هي انتماء اجتماعي وحضاري الأمر الذي يتطلب إطلاق حوار بناء مع الأطراف الأخرى التي لا تتبنى نفس النهج والسعي لاسترداد أولئك الذين وضعوا أنفسهم في مكان مناقض لانتمائهم الطبيعي ولمصالح وطنهم مشددا على ضرورة ألا يبقى هذا الحوار محصورا في إطار النخب والتيارات السياسية بل يجب أن يخاطب جميع شرائح المجتمع ولا سيما الأجيال الناشئة.

 

ولفت الرئيس الأسد إلى أن من أهم الأمور التي تقتضيها مواجهة الغزو الثقافي والفكري الذي تتعرض له الأمة العربية هو التمسك باللغة العربية التي تشكل حاملا للثقافة والعروبة باعتبارها حالة حضارية مؤكدا أن فقدان اللغة هو فقدان للارتباط وغربة عن الثقافة التي ينتمي إليها الإنسان.

 

وأشار الرئيس الأسد خلال اللقاء إلى أن الهدف الأساسي من الحرب التي تتعرض لها سورية منذ سبع سنوات هو إعادتها والمنطقة قرونا إلى الوراء عبر ضرب الشعور القومي والانتماء لهذه المنطقة ووضع الإنسان العربي أمام خيارين إما التخلي عن هويته والارتماء في حضن الأجنبي أو التوجه نحو الفكر المتطرف وتحويل المجتمعات العربية إلى مجتمعات متناحرة ومتصارعة.

 

وأكد الرئيس الأسد أن هذه الحرب بالرغم من الدمار الكبير الذي ألحقته بسورية لم تسقط إيمان الشعب السوري بحتمية الانتصار على الإرهاب بأدواته الخارجية والداخلية من خلال تضحيات الجيش السوري العقائدي والاحتضان الشعبي لهذا الجيش كما لم تسقط تمسكه بهويته وعقيدته وانتمائه القومي.

 

تلا ذلك حوار تناول المستجدات السياسية والميدانية وملف إعادة الإعمار في سورية بالإضافة إلى الأوضاع على الساحة العربية وآفاق تفعيل العمل العربي المشترك ودور المفكرين والقوميين العرب في تعزيز الوعي والحصانة الفكرية على المستوى الشعبي في مواجهة محاولات الغزو الثقافي عبر ترسيخ الانتماء والتمسك بالهوية الجامعة.

 

وتركز الحوار حول مجموعة من القضايا الساخنة على الساحة العربية أهمها كيفية تحويل الانتماء القومي إلى حالة عمل مستمرة تقوم على تطوير المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بهذه القضية المحورية بما يتناسب مع طبيعة المواجهة الحاصلة ويساهم في تفكيك الفكر الهادف إلى تصفية الهوية العربية والانتماء القومي.

 

كما تطرق الحوار إلى أهمية العمل على الجامعات وجيل الشباب في العالم العربي الأمر الذي يشكل محورا أساسيا في عملية التوعية القومية في الحاضر والمستقبل وأهمية وجود آليات واضحة وخطط عملية لتنفيذ هذا الأمر وعدم الاكتفاء بالطروحات النظرية العامة بهدف تثبيت العمل القومي وإيجاد بعض الحلول لما تعانيه الأمة العربية من ترهل.

 

وأكدت المداخلات أهمية الانتصار السوري في الحرب على الإرهاب والدول التي تدعمه وأن الانتصار السوري هو انتصار عربي مشددة على أن ما طرحه الرئيس الأسد حول العمل القومي يشكل قاعدة يمكن البناء عليها من قبل المشاركين في المؤتمر للتوصل إلى صيغة واضحة يمكن نقلها والعمل عليها في بلدانهم.

 

كذلك شددت بعض المداخلات إلى ضرورة البناء على انتصار سورية لإعادة الألق للقومية العربية والانتماء العربي بالتركيز على الشعوب العربية رغم مواقف بعض الحكومات العربية التي وقفت ضد سورية في حربها.

 

وفيما يلي النص الكامل لكلمة الرئيس الأسد خلال اللقاء:

في البداية أريد أن أرحب بكم جميعا وقد قطعتم مئات وآلاف الكيلومترات لكي تكونوا اليوم في سورية ومع سورية ومع الشعب السوري.. وأنا سعيد أن التقي بكم في مستهل مؤتمركم المهم الذي يناقش قضايا ومواضيع قومية تهمنا جدا.. لأن القومية هي الهوية وهي الانتماء.. القومية هي ماضي وحاضر الشعوب وهي أساس وجودها.. وأنتم اليوم تأتون في قلب الحرب على سورية.. وهناك تصور عام بأن هذه العاصفة التي ضربت عددا من الدول العربية وفي مقدمتها سورية وليبيا واليمن والعراق إلى حد ما.. العراق من قبل طبعا.. والدمار الذي حصل.. الدمار المادي والمعنوي هدفه الأساسي هو إعادة هذه المنطقة قرونا إلى الوراء.. وهذا صحيح.. ولكن أنا أقول في هذا المؤتمر إن الهدف الأكبر لم يكن هذا الدمار.. فالدمار يعاد بناؤه.. إنما الهدف هو ضرب انتماء الإنسان العربي في هذه المنطقة.. انتمائه بكل ما تعني الكلمة من معنى.. انتمائه لكل البيئة التي عاش فيها.. للجغرافيا.. للتاريخ.. للمبادئ وللانتماء القومي.

وأضاف الرئيس الأسد: وعندما نقول الانتماء القومي.. فالانتماء القومي بشكل طبيعي يشمل التاريخ والجغرافيا وكل هذه الأمور.. وبالتالي ضرب هذا الانتماء يعني ضرب خط الدفاع الأول الذي نمتلكه كمجتمع في وجه أي محاولات لغزو ثقافي أو فكري يهدف إلى تحويلنا إلى مجرد آلات مسلوبة الإرادة نتحرك بحسب ما يخطط لنا من الخارج.. لكن بنفس الوقت كما أن هذا الربيع العربي بحسب التسمية المستخدمة من قبل الأعداء.. كان يهدف لضرب الانتماء.. لكن في المقابل لولا ضعف الانتماء القومي ولولا ضعف الشعور القومي لما تمكن هذا “الربيع” من الانطلاق في منطقتنا العربية لأن جزءا من شرائح أو شرائح من مجتمعاتنا العربية مع كل أسف وعبر الزمن.. عندما فقدت هذا الانتماء كانت جاهزة للذهاب باتجاهات أخرى فذهبت باتجاهين رئيسين في بدء الأحداث.. إما الارتماء بأحضان الأجنبي.. بغض النظر عن أي أجنبي كان.. أو الارتماء بأحضان التطرف الإسلامي باعتباره هوية بديلة عن الهوية العربية.. طبعا هي مجرد هوية شاذة ومنحرفة لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بأي دين سماوي.

وتابع الرئيس الأسد: يعني بالمحصلة نجح الأعداء عبر العقود الماضية بإيصال الوضع إلى ما هو عليه ونجحوا في ضرب بنية المجتمع ولو جزئيا.. وتشتت هذا المجتمع إلى مجموعات.. البعض منها متباعد والبعض متنافر.. والبعض متناحر ومتصارع.. بالمقابل.. فإن هذه اللقاءات.. هذا العمل القومي استمر عبر هذه العقود.. وعقد عشرات وربما المئات من اللقاءات.. ولكن النتيجة اليوم أن الوضع بالنسبة للحالة القومية الموجودة على الساحة العربية هو أضعف بكثير من عقود مضت.. وبالتالي هل نلتقي اليوم لكي نضيف لقاء إلى مجموعة لقاءات… هل نلتقي لكي نتذكر الأيام الجميلة أم لنندب الحظ العاثر… أم لنمجد شيئا لا يعيش أفضل أيامه وهو الحالة القومية… هل نلتقي فقط لكي نصدر بيانات سياسية على أهميتها… من الضروري أن نتحدث بالسياسة ونصدر البيانات والمواقف تجاه ما يحصل بشكل مستمر ولكن البيانات السياسية وحدها لا تستطيع أن تعيد الألق لهذه الحالة التي نتحدث عنها الآن.. نحن أمام مشكلة حقيقية لها جوانب عدة.. والتعامل فقط مع جانب من جوانبها وإهمال باقي الجوانب يعني ألا نصل إلى أي نتيجة وأن تبقى هذه اللقاءات عبارة عن منصات صوتية لا تقدم ولا تؤخر.

 

وقال الرئيس الأسد: فإذا علينا أن نبدأ بالمشكلة.. نتحدث عنها.. نتحدث عن الحل.. عن العلاج.. عن الأدوات الممكنة والمتوافرة لهذا العلاج.. وعلينا أن نركز بالدرجة الأولى على نقاط الضعف.. على المحاور والأساليب التي اتبعها أعداء القومية لكي نعرف كيف نتعامل مع كل محور من هذه المحاور.. لأن ما نعيشه اليوم لم يحصل فجأة.. هو تراكم زمني طويل على مدى عقود واليوم نتائجه عميقة في المجتمعات وواسعة بنفس الوقت.

وأضاف الرئيس الأسد: القضية ليست قضية سطحية ولا عابرة.. الغرب كان بارعا في أدائه.. كان بارعا في نصب الأفخاخ.. ونحن كنا بارعين في السقوط في هذه الأفخاخ.. الغرب بنى مخططاته على الوقائع والحقائق التي نعيش فيها.. أما نحن فكنا دائما نبني رؤانا على العواطف.. هو كان فاعلا ونحن كنا منفعلين.. لذلك لا بد وأنا أتحدث أمام مؤتمر قومي أن أمر على بعض هذه النقاط التي أعتبرها أولوية.. ولكن ربما مؤتمركم من خلال نقاشاته ومن خلال النقاشات اللاحقة يستطيع أن يكون رؤية أشمل وأعمق.. لذلك سأمر على بعض العناوين قبل أن أتطرق لأي موضوع له علاقة بالأزمة أو بالسياسة لأنني أعتقد أننا إذا لم نعالج هذا الموضوع سيبقى سقف العمل القومي سقفا منخفضا جدا.. ومع الزمن سوف ينخفض أكثر فأكثر.. فإذا لا بد من معالجة هذه العقبات لكي نتمكن من إعادة الألق للفكر القومي وإعادة المجتمعات إلى انتمائها الطبيعي.

وتابع الرئيس الأسد: أول مشكلة كبيرة نواجهها على مستوى العمل القومي هي ضرب علاقة الإسلام مع العروبة.. اتهموا أو وصموا العروبة بصفة العلمانية.. ووصفوا العلمانية بصفة الإلحاد.. فربطوا العروبة والعلمانية والإلحاد برابط واحد.. وقالوا للمواطن البسيط.. عليك أن تختار بين الإيمان وبين الإلحاد.. فمن الطبيعي أن يختار الإيمان.. ويكون بالمقابل ضد أي انتماء آخر في مواجهة أو مقابل الإيمان والإسلام.. وبالتالي العروبة جزء من هذا الانتماء الذي ابتعد عنه وانسلخ عنه بفعل هذا الفكر أو هذا التسويق الخاطئ لعلاقة العروبة والإسلام.

هناك ارتباط عضوي بين العروبة والإسلام

وقال الرئيس الأسد: وفي الحقيقة أنا أقول بأن أول من كان رأس حربة بالنسبة لهذه النقطة هم الإخوان المسلمون.. نحن في سورية نسميهم إخوان الشياطين.. لا نسميهم “إخوان مسلمون”.. هم كانوا رأس الحربة عندما زرعهم الإنكليزي في النصف الأول من القرن الماضي في مصر وبعدها انتقلوا إلى أماكن أخرى وأثبتوا في كل مرحلة من المراحل بأنهم رأس حربة ضد كل ما له علاقة بمصالح الشعب العربي وبالانتماء العربي.

وأضاف الرئيس الأسد: هناك ارتباط عضوي بين العروبة والإسلام.. هناك تقاطع.. ليس بالضرورة تطابقا.. هناك هامش لكل منهما.. ولكن لا يوجد تعارض بكل تأكيد.. ومن الخطأ أن يفكر الكثيرون بأنه إما أن أكون عربيا أو أن أكون مسلما.. لذلك ضرب هذه العلاقة من خلال تطرف الإسلام يؤدي لضرب العروبة.. حرفوا الإسلام.. دفعوه باتجاه التطرف.. انفصل عن العروبة.. فضعف الإسلام.. وضعفت العروبة.. وقد يسأل أي شخص لماذا تتحدث عن العروبة والإسلام.. ولا تتحدث عن العروبة والمسيحية… أقول طبعا هي نفس العلاقة.. العلاقة بين القومية والدين.. ولكن لم يعمل الاستعمار وأعداء القومية على هذه النقطة بالذات.. وإنما ركزوا على موضوع العروبة والإسلام.. هذه إحدى النقاط التي لا بد من معالجتها لكي نتمكن من تسويق خطابنا لدى أوسع شرائح المجتمع العربي.

وتابع الرئيس الأسد: النقطة الثانية.. وضعت القومية العربية في مواجهة قوميات أخرى.. هل هي قوميات… هل هي أقوام… هذا موضوع بحاجة لمفكرين لكي يناقشوه.. ولكنهم قالوا بأن هذه القومية توجد في منطقة متنوعة عبر التاريخ.. ولم تكن في الماضي هناك أي حروب وأي صراعات بين هذه القوميات.. والسؤال.. لماذا ظهر هذا الصراع الآن… لأن الاستعمار مع مرحلة الاستقلال زرع بذور الفتنة بين تلك القوميات.. وبالتالي بغياب وجود حصانة فكرية من قبل مجتمعاتنا.. نمت هذه البذور.. وتمت سقايتها سواء من قبل أعداء الفكر القومي.. أو من قبل بعض القوميين.. من خلال فكر سطحي وبأداء جاهل.. نمت هذه البذرة وتعمقت وتجذرت وأصبحت معالجتها اليوم بحاجة لجهود مضاعفة.. كيف فعلوا ذلك… وضعوا القومية العربية بقفص عرقي.. وقالوا إن هذه القومية تنتمي لعرق محدد.. وهو العرق العربي.. أي أبناء قحطان وعدنان.. إن لم تكن من أبناء فلان وفلان.. فعليك أن تبحث عن هويتك في مكان آخر.. وبالتالي خلقوا أيضا شرخا تدريجيا بين أبناء الأقوام التاريخية التي وجدت في هذه المنطقة بشكل عام عبر التاريخ.. وظهر هناك شعور مخفي قبل الحرب.. لا علاقة له بالحرب.. بأننا نعيش معا بحكم الواقع.. بحكم الحدود السياسية.. بحكم الظروف السياسية.. ولكن عندما تتبدل كل هذه الظروف.. فلا بد لكل منا أن يذهب في حال سبيله.. ركزوا على الموضوع العرقي ونزعوا عن القومية أهم الجوانب الحضارية الموجودة فيها المتعلقة بالجانب الثقافي وباللغة وبالجغرافيا والتاريخ والأشياء المختلفة.

 

وقال الرئيس الأسد: أيضا هناك عامل آخر أثر على العمل القومي.. عامل تراكمي مرتبط بالظروف السياسية في العالم العربي.. وهو نتيجة الأداء السياسي السيء للدول العربية والمعادي لمصالح الشعب العربي قبل الحرب.. ولكنه ظهر بشكل قوي جدا مع بدء الأحداث.. خاصة عندما قامت مجموعة من الدول العربية ومعها جامعة الدول العربية بتأمين الغطاء للتدخل في ليبيا وتدميرها.. ولاحقا قامت نفس الدول ونفس الجامعة بالدور ذاته تجاه سورية.. ولكن الظروف السياسية كانت قد تبدلت فلم تنجح تماما.. بالإضافة لاختلاف الوضع في سورية.. لكن هذا الدور دفع الكثير من المواطنين في أمكنه مختلفة.. ولدينا في سورية بشكل خاص.. للقول إنه إذا كانت هذه هي القومية وهذه هي العروبة.. فنحن لا نريدها.. إذا كان هؤلاء هم العرب.. فنحن لا نريد أن نكون عربا.. نكون أي شيء آخر.. حسنا.. ما هو البديل… لا يوجد بديل.. هؤلاء يعملون بردة فعل نتيجة تآمر بعض الدول العربية على دول عربية أو على شعوب أو على قضايا.. وبالتالي هم لم يميزوا بين الانتماء لهوية محددة.. وبين الانتماء لنظام سياسي.

وأضاف الرئيس الأسد: بنفس الطريقة كان هناك رد فعل تجاه قضايا عربية كالقضية الفلسطينية.. وبالتالي.. نتيجة خيانة بعض الفلسطينيين لدول عربية ولشعوب عربية احتضنتهم.. ودافعت عنهم.. ودفعت ثمن حمايتها لهم.. فأصبح هناك رد فعل طبعا.. هناك كثير ممن يقولون.. فلتذهب القضية الفلسطينية كلها إلى الجحيم.. على ماذا يدل هذا الشيء… يدل على عدم نضج الانتماء لدى الكثير من الأشخاص الذين ينتمون لهذه القومية.. ولكن بشكل سطحي.. أيضا هناك نقطة مهمة لا نستطيع أن نتلافاها.. اتهمت العروبة بأنها مرادفة للتخلف.. ونحن نتحدث اليوم عن شيء نظري طرح في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع النظريات القومية الفرنسية والألمانية وغيرها.. وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.. وعصر العولمة والفضائيات والانترنت وغيرها.. أصبحنا نعيش.. بحسب الطرح طبعا.. في عالم واحد.. عالم إنساني واحد.. مبادئ واحدة.. مصالح واحدة.. اقتصاد واحد.. وبالتالي أي طرح قومي.. هو طرح متخلف.. طبعا هذا هو طرح العولمة الذي يهدف بالمحصلة لأن ننتمي جميعا للمؤسسات المالية التي تقود العالم.. وعمليا مركزها الولايات المتحدة.. ومن خلالها يقودون السياسة والاقتصاد وكل شيء آخر.

وتابع الرئيس الأسد: أيضا وبنفس الاتجاه.. نتحول إلى مجرد أدوات لخدمة مصالح تلك الدول.. بمعنى أن العروبة أصبحت عبارة عن “صرعة أو موضة” وانتهت هذه الصرعة.. والمطلوب منا نتيجة هذا الطرح شيء يشبه ما حصل في الاتحاد السوفييتي بعد سقوطه وتفككه.. أن تصبح الاشتراكية متخلفة والشيوعية متخلفة.. طبعا الآن بعد حوالي عقدين ونصف.. بدأت الأمور تتغير وعقد النقص ذهبت.. نحن بالنسبة لنا في سورية لم نعان من عقدة النقص هذه في أي وقت من الأوقات.. وكنا نقول لهم إذا كانت هذه اللغة هي ليست لغة القرن العشرين أو القرن التاسع عشر فقط.. إذا كانت لغة القرن الأول الميلادي أو لغة القرن العاشر قبل الميلاد سوف نتحدث بها اليوم وغدا وبعد غد.. ولن تكون لدينا أي عقدة نقص.. بالعكس.. الأحداث أثبتت لنا أن غياب هذه الهوية كان أحد أكبر المشاكل والتمسك فيها اليوم ضروري.

وقال الرئيس الأسد: بالنسبة للعمل القومي.. أو لنقل العروبة والتيارات السياسية الموجودة.. هذه التيارات.. هذه الشخصيات.. هذه الأحزاب القومية.. هذه المؤتمرات.. لم تتوقف عن العمل خلال العقود الماضية ولكنها ..لنقل إنها عملت حتى في ظروف صعبة.. ربما في سورية هناك دولة قومية تدعم العمل القومي دائما قبل ولادتي بعقود طويلة.. ولكن في الدول الأخرى كانت هناك معاداة متصاعدة للعمل القومي لأن هذه المؤتمرات.. وهذا التيار كان دائما يطرح مواقف سياسية متعلقة بمختلف القضايا العربية تحرج الدول العربية.. لذلك كانت هناك معاداة معلنة أو مخفية لهذا التيار.

وأضاف الرئيس الأسد: لكن بالمقابل.. هذا التيار يظهر اليوم على شكل تيار سياسي فقط.. أو على شكل حزب سياسي.. بينما هناك الكثير من أبناء المجتمع الذين ينتمون للقومية العربية بشكل غريزي.. لكنهم لا يتفقون معنا سياسيا ولديهم رؤية أخرى سياسية.. هناك الكثير من أبناء هذا المجتمع الذين ينتمون لهذه القومية ولكن بنفس الوقت هم لا يحبذون العمل السياسي.. لا يحبذون العمل الحزبي.. إذا كيف يعبرون عن هذا الانتماء… بالنسبة لهم هذا الانتماء هو انتماء اجتماعي.. هو انتماء حضاري.. وهذا يطرح سؤالا.. أين هي الجوانب غير السياسية في عملنا القومي… هذا جانب مهم جدا.. وأنا أيضا أنطلق من حوارات قمت بها مع أشخاص في المجتمع السوري وكانت تطرح الأمور بهذه الطريقة.

العروبة هي حالة حضارية وأهم شيء في الحالة الحضارية هو الثقافة التي تحملها

وتابع الرئيس الأسد: هناك جانب أخير أمر عليه.. لا علاقة له بالسياسة ولا بالمؤامرات.. ولا بأي شيء.. له علاقة باللغة.. العروبة هي حالة حضارية وأهم شيء في الحالة الحضارية هو الثقافة التي تحملها.. والثقافة تعبر عنها اللغة.. كيف يمكن أن نعبر عن ثقافة ونحاور ضمن هذه الثقافة أو مع ثقافات أخرى دون لغة.. دون اللغة تتحول الثقافة إلى مولدة كهرباء كبيرة تولد الكثير من الكهرباء ولكن لا توجد أسلاك لكي تنقل هذه الكهرباء باتجاه المدينة أو المعامل أو أي مكان آخر.. هذا هو وضعنا الآن في ظل “عولمة الانترنت”.. وأنا أتحدث الآن عن الجيل اليافع الذي بدأ يفقد اللغة.. وفقدان اللغة هو فقدان للارتباط.. أو بشكل أدق هو حالة غربة عن الثقافة التي ينتمي إليها هذا الإنسان.. هذه نقطة لا بد من التفكير بها.

وأضاف الرئيس الأسد: أيضا أقول إننا في سورية لا توجد لدينا مشكلة كبيرة نعاني منها.. في نهاية الأمر.. التعليم في سورية بكل المراحل الجامعية وغيرها هو باللغة العربية.. ندعم اللغات الأجنبية.. ولكن اللغة العربية تبقى هي الأساس لأننا نفهم معنى اللغة.. الغربة الثقافية وتحلل الثقافات يبدأ أولا باللغة ويبدأ بكلمات وبمصطلحات بسيطة ومن ثم يبدأ التعميم.. أي خلال جيل واحد.. عندما يصبح شباب اليوم رجالا ونساء.. لن تجدوا أحدا منهم يحاوركم في الموضوع القومي لأن الثقافة مختلفة.. هذا الجانب بحاجة لدور الدول.. بحاجة لعمل ثقافي.. ونحن لدينا مثقفون كبار وأيضاً مفكرون قوميون.

وقال الرئيس الأسد: ما علاقة هذه الأمور بما يحصل في سورية… أنتم تزورون بلدا عانى من الحرب لمدة سبع سنوات.. لم ننه بعد السنة السابعة.. الحرب تضعف أي بلد مهما كان قويا ومهما كان كبيرا.. وهذه الحرب لا شك أنهكت سورية ولكنها لم تسقطها.. والأهم من ذلك أنها لم تسقط إيماننا كسوريين بحتمية الانتصار على الإرهاب بأدواته الخارجية وبأدواته الداخلية.. لكن ما هو جوهر هذه الحرب بعيدا عن المؤتمرات والتصريحات وكل ما نراه من حراك خارجي وداخلي… جوهر هذه الحرب هو مجموعتان.. الأولى.. هم أشخاص فقدوا الانتماء.. وتحديدا الانتماء القومي ومعه الانتماء الوطني.. ففقدوا الهوية.. فقدوا الأخلاق.. وفقدوا معها الوطن.. هذا هو الأساس الذي اعتمد عليه الخارج.. يمكن أن نتحدث عن مؤامرات لأيام.. ولكن هذه المؤامرات لم تكن لتجد مكانا لها في سورية لو لم تكن لدينا هذه المجموعات.

وأضاف الرئيس الأسد: بالمقابل.. المجموعة الأخرى يعبر عنها بشكل أساسي الجيش العربي السوري.. الذي قاتل وضحى تضحيات جساما من أجل أن يحافظ على هذا الوطن.. ولكن على ماذا استند… هذه البطولات لم تأت من فراغ.. فالجيش العربي السوري قبل أن يكون جيشا وطنيا هو جيش وطني عقائدي استند إلى عقيدة واضحة تأسست عبر عقود من الزمن.. نحن نعرف بأنه لا يمكن لجيش أن يصمد بمثل هذه الحرب مهما أتاه من دعم خارجي.. إن لم يكن هناك احتضان شعبي.. هل من المعقول أن يحتضن الشعب جيشا يقاتل بعقيدة ليست عقيدة وطنية بالأساس.. لا تنتمي لهذا الوطن.. لا تنتمي لهذا المجتمع.. ولا تتوافق مع عقيدته ومع انتمائه القومي… هذا مستحيل.. بكل الأحوال أبناء هذا الجيش هم أنفسهم أبناء هذا المجتمع.

وتابع الرئيس الأسد: هذه النقطة.. وهي قوة الجيش من خلال عقائديته.. فهمها أعداؤنا.. وكل العمل السياسي بالمؤتمرات وبالحكومة الانتقالية وبالفيدرالية.. وبكل ما تسمعونه من مصطلحات يعبر عنه بشيء وحيد كان مطلوبا وهو ضرب هذه الفكرة.. طبعا الجيش كرمزية.. ولكن هم يستهدفون المؤسسات ويستهدفون المجتمع.. لأننا نتحدث عن عقيدة واحدة.. كل الحرب كانت باتجاه نزع فكرة القومية ابتداء بالدستور.. أن يكون إسمها الجمهورية السورية.. أن يكون جيشا سوريا.. أن يسحب من كل المؤسسات وفي كل المراحل أي شيء عقائدي مهما يكن وفي أي مكان.. فإذا عبر استهداف الجيش استهدفوا الدولة.. وعبر استهداف الجيش والدولة استهدفوا المجتمع.

وقال الرئيس الأسد: ما هو العنوان الذي وضع… جيش محترف.. أي أن الجيش الذي يقاتل الآن ويخوض كل هذه المعارك هو جيش هواة.. مجموعة من الهواة الذين أحبوا لعبة الحرب ونزلوا إلى القتال لأنهم يريدون أن يقاتلوا أيا كان.. فقط من أجل الهواية.. هذا ما يحاولون تسويقه.. بالنسبة لهم الجيش المحترف هو الجيش الذي يقبع داخل الوطن بانتظار الإشارة من الخارج لكي يتحرك بالانقلابات ضد الحكومات الوطنية.. بالنسبة لهم الجيش المحترف هو الجيش الذي يغطي الحكومات العميلة عندما تقوم بعمل سياسي فيه تنازل عن السيادة وعمل ضد مصالح الشعب.. لذلك مقابل هذا التركيز كنا في سورية متمسكين بالهوية تمسكا كاملا ولم يكن هذا الموضوع خاضعا للنقاش ولا للتنازل لا من قريب ولا من بعيد.. لأنني كما قلت في المقدمة الهوية هي أساس وجود أي مجتمع من المجتمعات.. تمسكنا بها رسميا وشعبيا.. تمسكنا بها سياسيا.. ثقافيا.. اجتماعيا.. وبالتالي في المحصلة وطنيا.

لا يمكن أن نفكر ولو لثانية واحدة بأن نقدم تنازلا يتعلق بموضوع العقيدة والانتماء القومي لسورية كرمى لأعين حثالات القرن الواحد والعشرين من الإخونجية وربيبتيهم “داعش” “والنصرة”

وأضاف الرئيس الأسد: اليوم أؤكد مرة أخرى بعد سبع سنوات من هذه التضحيات أننا لا يمكن أن نفكر ولو لثانية واحدة بأن نقدم تنازلا يتعلق بموضوع العقيدة والانتماء القومي لسورية كرمى لأعين حثالات القرن الواحد والعشرين من الإخونجية وربيبتيهم “داعش” “والنصرة”.. أو أي من المجموعات الأخرى سواء الخارجون عن القانون أو المجموعات التي تعمل لصالح الأمريكيين والغرب في منطقتنا.

 

وتابع الرئيس الأسد.. إذا ما هو المطلوب لتحسين العمل القومي إذا أردنا أن نرى نتائج… لأننا لا نتحدث بالقومية بحالة عاطفية.. كما قلت في البداية.. نحن نريد عملا.. القومية بالنسبة لنا هي إنتاج وتطبيق وليست حالة عاطفية أو انتماء رومانسيا أو ما شابه.. أن نلتقي مع بعضنا كأبناء انتماء واحد من الناحية السياسية والثقافية والاجتماعية فهذا شيء طبيعي.. أن نجلس هنا لنتناقش بمختلف الأمور.. ولكن أن نلتقي ونتحاور لا يعني أننا حققنا النتائج.. في الحقيقة النتائج تبدأ بآليات التطبيق التي نضعها لاحقا.. أو التي نبدأ بتطبيقها بناء على حواراتنا.. العمل برأيي يبدأ عندما نتمكن من محاورة الآخرين.. لعقود ونحن نحاور بعضنا البعض.. ولكن هل حاورنا الآخرين… هل فندنا أفكار الآخرين… لم يحصل هذا الشيء.

وأضاف الرئيس الأسد: نلتقي في الملتقيات ونتحاور مع بعضنا ونصدر البيان.. أي أن من يسمع هذا البيان أو من يقتنع به أو من يتبناه هم أشخاص يفكرون بنفس الطريقة.. تصادف أنهم لم يكونوا موجودين في نفس القاعات.. ولكنهم موجودون معنا في نفس الفكر.. ما الذي فعلناه لكي نستعيد الآخرين.. أعتقد أن نقطة البداية تبدأ بالحوار مع المجموعات الأخرى التي شذت.. أولئك الآخرون الذين وضعوا أنفسهم أو وضعتهم الظروف في مكان مناقض لانتمائهم الطبيعي.. وفي مكان مناقض لمصالحهم ومصالح وطنهم دون أن يدروا.. في أغلب الحالات دون أن يدروا.. استرداد هؤلاء هو بداية العمل الصحيح من أجل تمتين العمل القومي.. لأنني أشبه أولئك الأشخاص دائما بالخلايا السرطانية التي هي بالأساس خلايا طبيعية داخل الجسد ولكنها تحولت نتيجة ظروف مرضية مختلفة.. فأصبحت أعداء للخلايا الطبيعية في نفس الجسد.

وقال الرئيس الأسد: اليوم بسبب تلك الشرائح هناك طبخة مسمومة كانوا هم وقودا لها.. طبخها الغرب والاستعمار.. ونحن اليوم نقتات من سموم هذه الطبخة.. أولا علينا أن نبطل مفعول هذه السموم بالحوار مع هؤلاء.. علينا أن نتحدث مع كل شريحة بحسب المكان الذي ذهبت إليه.. أولا علينا أن نخاطب المجموعة المقتنعة بالتعارض بين الإسلام والعروبة بأنه لا يوجد أي تعارض بين الانتماءين.. كلاهما يصب باتجاه الآخر.. كلاهما يعزز الآخر.. كلاهما لا يتعارض مع الآخر.. ويجب أن يكون هناك حوار مدخله المنطق الذي يستخدمونه.. بمعنى هل يمكن أن يتمكنوا من فصل الإسلام عن العروبة وهم لم يتمكنوا من فصل عروبة الرسول الكريم.. العربي.. عن دينه وهو تباهى بأكثر من حديث بانتمائه للعروبة.. مع تبدل العروبة خلال العصور.. تبدل المفهوم ولكن الجوهر واحد.. هل يتمكنون من فصل العروبة عن الإسلام قبل أن يتمكنوا من فصل مضمون القرآن الديني عن لغته.. “إنا أنزلناه قرآنا عربيا”.. المسألة واضحة.. لسنا بحاجة للآية كي نعرف أنه عربي.. نحن نتحدث لغة عربية.. العالم كله يعرف بأن لغته عربية.. ولكن للتأكيد على هذا الشيء هناك ربط واضح بين العروبة والإسلام.. لا بد من مناقشة هذا المحور مع تلك الشرائح لكي نستعيدها إلى المكان الطبيعي.

وأضاف الرئيس الأسد: من الضروري جدا الآن تفنيد الطرح العرقي وأنتم تعيشون الظروف الحالية.. هناك من يتحدث عن الفيدرالية.. وعن القوميات.. وفيدراليات على أساس قومي..طرح هذا الموضوع في سورية والعراق والجزائر وفي دول المغرب العربي.. في مناطق متعددة.. يجب أن نؤكد أن مفهوم العروبة هو مفهوم حضاري شامل.. أي أن العروبة أكبر من أن تكون عرقية.. المفهوم الحضاري يشمل الكل.. يشمل كل الأعراق والأديان.. الطوائف.. العروبة لم يبنها العرب.. خاصة في المناطق المتنوعة كسورية ومنطقة بلاد الشام.. وأعتقد في معظم الدول العربية.. العروبة هي حالة حضارية ساهم فيها كل من وجد في هذه المنطقة دون استثناء.. وبالتالي التراث العربي والثقافة العربية هما مجموع تراث وثقافات كل الأقوام التي وجدت في هذه المنطقة عبر التاريخ القديم والحديث.. هي حالة ملتصقة بالجميع لا تتعارض مع أحد ولا تلغي أحدا.. يمكن لأي شخص أن ينتمي لهذه القومية وأن ينتمي لأي قوم آخر ولديه ثقافة وعادات وتقاليد ولغة وأي شيء آخر ولكن هو ينتمي بحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح.. والأهم اللغة التي تجمعنا جميعا.

وتابع الرئيس الأسد: كلنا نتحدث بلغة عربية في هذه المنطقة.. لا نتحدث بلغات ولو كانت هناك لغات أخرى.. فلذلك اللغة العربية والقومية العربية هي الجامع لكل الأعراق والطوائف والأديان.. وبنفس الوقت هي تحافظ على خصوصية كل واحدة منها.. هذا الحوار ضروري لأن الورقة المقبلة.. بعد أن سقطت ورقة التطرف في هذه المنطقة لأنها افتضحت في الخارج.. سوف يركزون.. وكما ترون بدؤوا بالتركيز على موضوع القوميات والأعراق وستكون هي الورقة التي سنفاوض عليها في سورية وفي العالم العربي قريبا.

وقال الرئيس الأسد: أما لمن أنكر العروبة كرد فعل على أداء الدول العربية.. فيجب أن نؤكد أن تآمر هذه الدول العربية على القضايا العربية وعلى الشعب العربي لا يعني بأنها تنتمي لهذه القومية.. وكذلك هؤلاء المسؤولون العرب.. أن ننتمي لهوية لا يعني أن ننتمي لنظام سياسي.. قد نتفق وقد نختلف مع هذا النظام السياسي.. لا يوجد رابط على الإطلاق بين الأولى والثانية.. أن يتآمروا علينا لا يعني أن نهرب من الفكرة.. من الانتماء الحقيقي.. ونسلم الراية لهؤلاء وهم ليست لهم علاقة لا بالعروبة ولا بالدين ولا بمجتمعات هذه المنطقة في كل ما قاموا به من أداء.. البعض كرد فعل يريد أن يخرج من فكرة القومية لأنه يعتقد بأنها فكرة سيئة أو نتائجها سيئة.. يجب أن نوضح لهؤلاء بأن غياب الانتماء لا مصلحة لأحد فيه.. لأن ما نعاني منه اليوم.. من حالات تقسيمية طائفية أو عرقية… أحد أهم أسبابها.. وربما يكون السبب الأساسي والأكبر والوحيد.. هو غياب الشعور القومي.. لماذا… لأن الانسان بطبعه.. بغريزته يبحث عن انتماء.. ولكن عندما يغيب الانتماء الجامع فلا بد له من انتماءات أخرى يبحث عنها.. ستكون وهنا تظهر الانتماءات الضيقة وبالتالي التقسيمية التي تبدأ بتقسيم العقول وتنتهي بتقسيم الجغرافيا والأوطان.

وأضاف الرئيس الأسد: أما فيما يتعلق بربط العروبة بالتخلف.. فلا بد أن نكون السباقين لدعم وتطبيق الأفكار التطويرية.. وأن يكون لدينا برنامج متوافق مع هذا العصر.. ومتوافق مع مصالح الشعوب.

وتابع الرئيس الأسد: هناك جانب له علاقة بالانفتاح يرتبط بالديمقراطية.. الديمقراطية والمشاركة هي شيء أساسي يجب أن نعبر عنه.. ولكن يجب أن نعلم بأن الديمقراطية لكي تكون بناءة لا بد أن تكون مرتبطة بالانتماء الوطني والقومي ولا يمكن أن يكون أحدهما بمعزل عن الآخر.. لماذا أقول هذا الكلام… لأنه في إطار ردود الأفعال التي تحصل الآن.. هناك من يطرح فكرة العودة للانتماء القطري.. نحن في سورية ننتمي لسورية وانتهى الموضوع.. هذه هي حدودنا السياسية.. حسنا.. ماذا يعني أن أنتمي للقطر… يعني أولا أننا كنا مخطئين ونحن نشتم الاستعمار على مدى مئة عام لأنه قسم المنطقة.. هذا يعني بأن الاستعمار قام بعمل صحيح.. يعني أن انتماءنا النهائي هو هذه الحدود السياسية.. يعني أن نجتمع اليوم في مثل هذا اللقاء.. نحن في سورية وربما في لبنان ودول بلاد الشام ونقدم اعتذارا لسايكس بيكو لأن ما قاموا به صحيح.. هناك منطق غير سليم.. عفوي سطحي.. ارتجالي في طرح هذا الموضوع.. لذلك لا نستطيع أن نفصل الانتماء عن التطور.. عن الديمقراطية.. عن المشاركة.. وهنا نرى كيف أن فكرة القومية هي فكرة رابطة لكل عناصر المجتمع.. وخاصة عندما نريد أن نسير باتجاه المستقبل.. المستقبل يعني الأفضل.. في هذه الحالة فقط الحوار حول الموضوع القطري.. بكلمة مختصرة.. أن نقبل بالأمر الواقع جغرافيا.. أننا قسمنا وقبلنا بأوطاننا بحدودها الحالية لا يعني أن نقبل بتقسيم الهوية.. الجغرافيا تقسم.. الاقتصاد يقسم.. كل شيء يقسم.. أما الهوية فهي دائما ثابتة أو أنها تزول وتنتهي.. ثابتة لا يعني بأنها جامدة.. هي تتطور بتطور المجتمعات.. وكلما انضمت إليها مجموعات وأطياف أخرى ازدادت غِنى.. فإذا هي تتطور دائما وتنمو وتكبر.. وبخلاف ذلك.. فإنها في حال اندثار وضمور وزوال.

وقال الرئيس الأسد: النقطة الأخيرة.. علينا أن ننقل هذا الحوار من إطار حوار النخب والحوار السياسي إلى الحوار مع الشرائح الأوسع وخاصة الشباب.. وبشكل أهم في الجامعات.. علينا أن نحاورهم حول كل المفاهيم.. المفاهيم البالي منها.. القديم الذي لم يعد صالحا لهذا العصر.. والمفاهيم الحديثة ولكن المدسوسة.. نحن اليوم نعيش في عصر الانترنت وكل مواطن تقريبا يخضع للقصف الفكري والثقافي بشكل مستمر وعلى مدار الساعة.. لا توجد ضوابط على هذا النوع من الإعلام.. بالإضافة للفضائيات.. ولا يمكن أن يوجد في المستقبل أي ضابط من الضوابط.. هناك ضابط وحيد هو رجاحة العقل.. ولا يوجد شيء أهم من الحوار من أجل تحصين العقل وتحصين المجتمعات.. فيجب علينا أن نفكر لاحقا بآليات لنقل هذا الحوار.. بعد أن نكون قد وضعنا التصورات.. إلى المنابر الأخرى لنتحدث مع الشرائح الأخرى ولنسمع أفكارا مناقضة لأفكارنا.. وهذا يطورنا وبنفس الوقت يطور الآخرين.

وأضاف الرئيس الأسد: وطبعا نحن في سورية مستعدون للبدء في هذا النشاط.. وقمنا بنشاطات مهمة جدا في هذا الحوار خلال الحرب.. وليس قبلها.. لأن الحرب دفعتنا للقيام بمثل هذه الحوارات.. وقد حققت نتائج كبيرة.. خاصة فيما يتعلق بالعروبة والعلمانية.. الدين والعلمانية.. العروبة والإسلام.. العروبة والدين.. هذه العناوين كانت محور نقاش على مختلف المستويات وكانت لها نتائج مهمة ساعدت في تحصين المجتمع السوري.. لكن الحوار حول المصطلحات موضوع معقد.. وهو بحاجة للقيام بعمل فكري على المستوى القومي لأن اختراق مجتمعاتنا بدأ بمصطلحات.. ونحن مع كل أسف دائما نأخذ المصطلح ونردده بشكل ببغائي دون أن نعرف ما هو مضمونه.. وبعد فترة يتحول إلى جزء من اللاوعي بالنسبة لنا.. ويصبح جزءا من شخصيتنا.. ونصبح منفذين لأجندات خارجية.. ثقافيا وسياسيا دون أن ندري.

وتابع الرئيس الأسد: أعطيكم مثالا بسيطا جدا.. كلمة التعايش.. في سورية كان الكثيرون يتباهون بكلمة “تعايش”.. وكلما أتى وفد أجنبي يمتدحون التعايش الموجود بين مكونات المجتمع السوري.. وربما تكون هذه الكلمة مطروحة في دول عربية أخرى.. أنا كنت أرفض هذه الكلمة والآن نرفضها بشكل رسمي.. لأن التعايش هو علاقة بين مكونات متنافرة.. أي أنني أرفضك ولكن أقبل بالتعامل معك.. ولكن عندما تأتي الظروف لا أريدك أن تكون موجودا.. أنت منفر لي وأنا منفر لك.. هل نستطيع أن نشبه علاقة أعضاء الجسد الواحد بالتعايش… هل نستطيع أن نقول بأن اليد تتعايش مع القدم وأن القلب يتعايش مع الكبد ومع الكليتين… هذا المفهوم خطأ.. عندما يصاب شخص برصاصة أو شظية ولا يستخرجها لأنها غير مؤذية فإن الجسم يغلفها بنسيج ويعزلها.. ولكن يبقى إسمها “جسم غريب”.. هذه هي فكرة التعايش.. وعندما نقبل بهذا المصطلح.. ومع كل أسف لا نحلله.. فنحن نقبل بكوننا مجموعات متناقضة متنافرة ولكننا نعيش مع بعضنا البعض.

وقال الرئيس الأسد: هذا يؤكد أننا لا نستطيع أن نقوم بعمل سياسي إن لم نقم بالتوازي بعمل فكري.. لدينا سياسيون قوميون موجودون معنا في القاعة ولدينا أيضا مفكرون قوميون ولدينا إعلاميون قوميون.. لا بد من أن تكون لدينا أشياء ربما تكون اختصاصية أكثر.. أحيانا السياسي يتحدث بمصطلحات بحكم العادة.. أي انه لا يفهم مضمون هذا المصطلح.. وهنا دور المفكر.. أحيانا المفكر يتحدّث بلغة لا يفهمها سواه.. وكذلك السياسي.. وهنا دور الإعلامي الذي ينقل هذه المصطلحات ونتائج هذا الحوار وهذا التحليل والتركيب.. بعد أن نفكك المصطلحات ونركبها.. ننقلها لعامة الناس بلغة مبسطة ونخلق حوارا شعبيا في هذا الموضوع.. الحوار على مستوى النخب وحده لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجة محدودة.. فإذا.. علينا أن نفكر بآليات اللقاءات المقبلة التي من خلالها يمكن أن نكون أكثر تخصصا في مناقشاتنا للأمور.

وأضاف الرئيس الأسد: بالمحصلة.. هذه الملتقيات هي بداية لما سنقوم به وليست النهاية.. لا ينتهي عملنا بالبيان.. بل يبدأ عملنا بعد البيان وأنا أريد أن نكون دائما عمليين في هذه اللقاءات.. لا تهم الرسميات والبروتوكولات ولا قيمة لها.. من يجلس هنا ومن يجلس هناك لا قيمة له ولا قيمة للقطات الإعلامية.. أنا شخصيا لا أهتم بهذه الجوانب ولا قيمة حتى للرعاية سواء رعاها رئيس أو ملك… القيمة الحقيقية هي لما ننتجه من أفكار.. والأهم من ذلك لما نطبقه لاحقا من هذه الأفكار.

وتابع الرئيس الأسد: أريد أن أختم بسؤال أو تساؤل أنتم تسألونه.. هل من المعقول لمسؤول يقبع في قلب الحرب لسبع سنوات ويستقبل أشخاصا قدموا من مختلف الدول ولديهم العشرات وربما المئات من الأسئلة.. أن يتحدث في كل شيء ولا يتحدث عن السياسة وعما يحصل في سورية وعن هذه المؤتمرات.. لا قيمة للحديث عن أعضاء الجسد إذا كان الهيكل العظمي الذي يحملها ويثبتها في مكانها لتعمل بشكل صحيح متداعيا ومتهالكا.. أنا أتحدث في هذا الكلام عن الهيكل العظمي لكل ما يدور في كل هذه المنطقة.. وبعد أن أكون قد تحدثت عنه ننتقل الآن للحوار.. أستطيع أن أتحدث لساعات.. 7 سنوات من الحرب وهناك أشياء كثيرة نتحدث بها.. ولكن بالنسبة لهذا اللقاء هو فرصة للحوار وليس فرصة للخطاب.. وبكل تأكيد الحوار دائما أجدى وأغنى وسأبني كلامي في الجانب السياسي على الأحداث وعلى تساؤلاتكم وأفكاركم ومقترحاتكم.. مرة أخرى أشكركم.. وما تحدثت به هو بالنسبة لي مقدمة لأي شيء سياسي.. الحديث بأمور السياسة دون هذه المقدمة ليس له جوهر ومعنى ولا يمكن أن تصل الرسالة بعمقها إن لم نفهم هذا الجانب.. وخاصة نحن كأبناء تيار واحد.

 


عدد القراءات: 5274

اخر الأخبار