شارك
|

عائدون من "جنة أوروبا" إلى "جحيم سورية" !

تاريخ النشر : 2015-11-28

تقرير: فرح مخيبر

 

"يلي بيترك دارو بيقل مقدارو" .. "زيوان بلادي ولا قمح الغربة" .. بهذه الأمثال الشعبية المتداولة على ألسنة العامة وبصوت مرتفع بعد تنفس الصعداء تحدث باسل الذي عاد للتو مع عدد من أصدقائه من رحلة لجوء شاقة ..
باسل العائد من ألمانيا .. عاد بأحلامه المستقبلية التي طالما بقي فترة وهو يخطط لها قبل أن يغادر سورية واصفاً إقامته فيها لمدة 15 يوماً بانها كانت عكس توقعاته وما يتداول على مواقع التواصل وأحاديث العامة ..


باسل، الذي لم يخفِ سعادته برجوعه إلى أرض الوطن، اتّهم أصدقاء له بانهم خدعوه بأحاديثهم عندما صوروا أوروبا بأنها جنة الله على الأرض "فيها مالا عين رأت ومالا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" .. وعندما وصل إليها رآها جحيماً أشعلت في قلبه ناراً لم تطفئها إلا قبلة من تراب سورية عند وصوله إلى مطار دمشق ..


الأمان والسلام ورفاهية العيش والحرية.. شعارات تغنى الفيسبوكيون بوجودها في قلب القارة العجوز وفي الواقع لم نرَ لها وجودا إلا في مواقع التواصل الاجتماعي .. والذي حصل أننا، رغم الظروف السيئة التي تجتاح بلدنا منذ خمس سنوات، لم نشعر بالإهانة والذل كالتي أحسسناها خلال أيام في بلاد العجائب وحماة الإنسانية ..


ألم الفراق والحنين إلى الوطن أحاسيس جعلت صديقنا العائد يصرخ بأعلى صوته : "إنها سورية .. لا تستحق منا أن نتركها في أيام شدتها .. ولا نساهم في علاج أمراضها .. وبعد أن أفنت شبابها وقدمت كنوزها لأجلنا نغادرها عند أول محنة تتعرض لها" !


وعن رحلته الشاقة والمليئة بالمخاطر .. قال باسل : "لم يكن من السهل أن نقرر العودة إلى حضن سورية .. فدربنا كانت مليئة بالأشواك وأي أشواك؟ إنها من النوع المميت".. الابتزاز والاستغلال سمة تميز كل من أرادوا إيصالنا إلى نعيم القارة العجوز..


في تركيا على مرأى ومسمع السلطات الرسمية ينتشر هؤلاء الذين لا يشبهون البشر إلا بالشكل، موتك وحياتك في شريعتهم سيان .. المهم أن تملأ جيوبهم بأموال حرمت منها أسرتك لتحقق أمنيات لم تكن سوى خيالات رسمها قائمون على إدارة صفحات معروفة سبب الإنشاء والغاية..


الشعارات الإنسانية التي نادت بها تلك الصفحات لحظة وصولك إلى الشواطئ التركية تنقلب إلى العبودية ويصبح عليك أن تطيع الأوامر من قاعدة "نفذ وعندما تصبح طعاماً لأسماك القرش يحق لك أن تعترض"..


ما أثار دهشتنا في أيام لن تمحيها سنوات باقيات من العمر بحلوها ومرها .. أن كل من رأيناه وتعاملنا معه في رحلتنا يحمل الجنسية السورية، بعض من شاركنا ركوب البحر اعترف بتزوير أوراقه ليصبح من حاملي الهوية السورية، فاللغة واللون والثقافة والشكل أمور ثانوية أمام حفنة من الدولارات يعود ريعها لمصارف يمتلكها رجالات السلطة في أنقرة "..


الأخطر من ذلك، جاء في اعترافات صريحة لرجل أثيوبي، يعرف عن نفسه بأنه "حبشي" وهو أحد مقاتلي "التنظيمات الإسلامية" يقول: "كنت في ليبيا عام 2011 عندما اجتمع بنا بعض الدعاة و بدؤوا بتعبئتنا لتحرير أرض الشام من الطغاة .. قالوا لنا: عليكم بالقدس والبداية من الشام ..
سنوات ونحن نحاول العودة إلى بلادنا لأننا مخدوعون واستطعنا الوصول إلى أحد المزورين على الحدود السورية التركية وأدهشناه بالمبالغ التي عرضناها عليه ليزور لنا جواز سفر وهوية سورية نستطيع من خلالهما السفر إلى أوروبا.. وها نحن الآن في عرض البحر في طريقنا إلى أوروبا"..


"هذا الخطر وإن كانت ساعاته محدودة - يضيف باسل - إلا أنه مر كسنوات عجاف .. لم يقف عائقاً أمام تفكيرنا بالرجوع إلى سورية حتى لو كانت رحلة العودة لا تختلف كثيراً عن رحلة اللجوء ..

أيها السادة إن الحياة في ألمانيا ليست كما تعتقدون .. مجرد أن تطأ قدمك أرضها تشعر بفقدان شيء هام من شخصيتك .. إنسانيتك التي تتغنى بها القوانين الأوربية ، فأنت في حضرة الغربة ممنوع عليك أمور كثيرة يكفي أنك مراقب طيلة اليوم ومحسوب عليك أي خطوة أو ضحكة أو حتى نفس تتنفسه .. إنه الذل بعينه" ..

بهذه العبارة ختم باسل حديثه عن أيام قضاها بين لجوء وعودة قائلاً "رغم خسارتي المادية الكبيرة يكفي أني ربحت سورية"..


باسل لم يكن الوحيد العائد بعد أن رأى بأمّ عينه حال سوريين وقعوا فريسة احتيال مافيات وحكومات، صوروا لهم أن الأمان الذي يبحثون يكمن في القارة العجوز، إلا أن التجربة خير دليل ليعرفوا أن المال الذي يسعى إليه تجار المافيات والابتزاز السياسي الذي تريده حكومات التآمر على سورية هما العنوانان الأبرز في إغراء السوريين ..

 

العديد من التقارير الإعلامية قالت إن ما يقارب المليون لاجئ عادوا إلى بلادهم، فهل سنشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد العائدين من "جنة أوروبا" إلى "جحيم سورية" ؟


عدد القراءات: 12353

اخر الأخبار