شارك
|

القباقبية .. قصة عشق للماضي

تاريخ النشر : 2016-01-31

خاص - ميسم صالح


عندما تتجول في شوارع دمشق القديمة لا يمكنك سوى أن تملأ جيوبك بـ "القضامة" أو تتوقف أمام مقهى النوفرة وتراقب حمائم "الأموي" وهي تحلق في السماء لتبعث السلام والسكينة في نفسك وتهبط على الأرض وكأنها تلقي عليك التحية. تسير في حواريها الضيقة حيث يستند كل بيت على البيت الآخر وكل نافذة تحيي النافذة المقابلة لها.. وتشم عبق التاريخ في أسواقها.


وقبل المضي في جمال أسواق دمشق القديمة فإن تلك الاسواق قد نُسبت إمّا إلى الحرفة القائمة فيها أو إلى اسم بانيها، حيث يقع معظمها   داخل السور القديم وحول الجامع الأموي، ومن هنا كان  للقباقيب الدمشقية سوق خاص بها يحمل اسم "سوق القباقبية" يساير الجدار الجنوبي للجامع الأموي.


هناك التقينا بمروان قواص البالغ من العمر ستين عاماً وهو يجلس بهدوء مبتسماً أمام حانوته الصغير لبيع القباقيب، حيث استقبلنا استقبالاً حاراً ليقص علينا حكايته عن تاريخ أسواق دمشق العريقة الذي تفوح منها رائحة الماضي، وكيف تتباهى بحرفها القديمة التي تناقلها الأبناء عن الآباء عبر مئات السنيين ومنها وصلت إلى شعوب الأرض، وكانت حرفة القباقيب واحدة من هذه الحرف.


عن تاريخ هذه الحرفة؟ أجاب مبتسماً عن حرفته التي وصفها بالقديمة جداً: "للقباقيب أشكال ومسميات مختلفة منها "الزحاف" ويقال له "الزحافة"، ويوجد أيضاً قبقاب "سجك" وتكون قدمه لاصقة بالأرض، كما يتوفر قبقاب بكعب طوله ثلاثة قراريط".


وأضاف ضاحكاً: "في دمشق ما يسمى بـ "الشبراوي" و سبب تسميته بهذا الاسم عائد لارتفاعه شبراً عن الأرض، وأنّه قبقاب خاص بالمرأة الدمشقية، يتميز بخشبه المصدف والمطرز بخطوط الفضة، وهناك أيضاً القبقاب "الجركسي" أو ما يسمى بـ "المهاجرين" وجاءت التسمية بسبب قيام بعض الحرفيين المهاجرين والجراكسة بتقديم صناعة القباقيب على طريقة أهل بلادهم الأصليين".


ولكن وعلى الرغم من عراقة هذه الحرفة إلا أنّه لا يوجد الآن في السوق الدمشقي سوى حانوت واحد وبسطة قريبة منه وبضع محلات صغيرة لبيع القباقيب، فمعظم المحلات غيّرت حرفتها الأساسية اليوم وقل عدد صناع القباقيب مع الأيام بسبب وفاة الآباء وزهد الابناء بهذه الحرفة في عصر العولمة، حيث توجّه الأبناء نحو مهنة تتعلق بالدراسة أو العصر الحديث.


سألناه عن العرض والطلب على هذه القباقيب؟ أجاب بمزيج من الفرح والحزن: " هذا السوق العريق كانت تُنقل مصنوعاته الخشبية المختلفة وخاصة القباقيب إلى مصر وبيروت واسطنبول، بالرغم من وجود الحرفيين المهرة في تلك الدول إلا أنهم ليسوا بحرفية ومهارة الدمشقيين ويستخدم عادة في صناعة القبقاب خشب الجوز والمشمش والتوت والصفصاف والزان أما في دمشق فيصنع من شجر الصفصاف أو الجوز لكثرة هذه الأشجار فيها."


ليضيف قائلاً: "اندثرت القباقيب من أقدامنا كما نُسيت من ذاكرة هذا السوق التاريخي الجميل ومن أذهان أبناء دمشق، كما أن صناعة القباقيب في طريقها إلى الزوال، فقد استبدلها الناس بأحذية أقل ضجيجاً وأكثر حداثة وإن كان البديل غير صحي."


يشدّنا هذا السوق التراثي وغيره من الأسواق الدمشقية العريقة إلى أريج الماضي فأنت تعلم بأنك تسير في مكان سار فيه أحد مشاهير التاريخ، لتبقى في نهاية المطاف المسلسلات والأفلام القديمة ذاكرةً حاضرة لتلك الحقبة من صناعة القباقيب وغيرها، حيث كان للقبقاب صوتاً محبباً للناس.


عدد القراءات: 12035