شارك
|

الأم الأرض والوطن.. أقدم الأعياد احتفالاً بالحياة

تاريخ النشر : 2016-03-21

تقرير: المعتصم خربيط

على مر العصور وفي مختلف بقاع العالم ترك تاريخ 21 آذار أثراً واضحاً على شعوب العالم الشرقي عموماً، ففي هذا اليوم تنتهي دورة الشتاء وقساوة البرد لتبدأ دورة الربيع وتنبض الحياة والخصب من باطن الأرض، هذا الانتقال من الموت إلى الحياة أعطى للبشرية منذ القدم روحاً جديدة ليجعلوا من هذا اليوم عيداً عالمياً يعتبر تاريخياً أقدم عيد عرفته البشرية حتى اليوم.
ففي سورية يعد تاريخ 21 آذار أحد أعياد الربة عشتار وهو احتفال بعودة الخصب إلى الأرض، وفي مصر هو عيد شم النسيم، وفي إيران هو عيد النيروز، وعيد الرضوان في الديانة البهائية، وعيد زكموك عند السومريين، وعيد الربيع في مملكة ماري، وهو اليوم عيد الأم على مستوى العالم.. والقائمة تطول.
احتفل السومريون بعيد الربيع في سومر وبابل ونينوى لحوالي ثلاثة آلاف عام حتى انتشار المسيحية، ولقد أطلقوا عليه (زكموك) وفي بابل ونينوى (اجيتو - الحج) أي عيد رأس السنة، ويبدأ العيد في أول يوم من السنة السومرية حسب التقويم السومري الذي يعتبر يوم المنقلب الربيعي ويصادف الآن (21 آذار)، في هذا اليوم يتحرر(تموز - إله الخصب) من قبره في ظلمات الارض، ليظهر إلى السطح ويخصب (عشتار) آلهة الأرض والأنوثة، فتنبثق الحياة ويظهر الربيع.
وعبر التاريخ الحديث انتقلت تقاليد الاحتفال بهذا العيد من الشعب السومري إلى الساميين واستمر بالانتقال من حضارة إلى أخرى محافظاً على مجده وخلوده إلى أن وصل إلى الدولة العباسية، حيث اعتبر العباسيون عيد الربيع عيدا رسميا ولكن مع تبني اسمه الفارسي (نوروز) وأصبح الاحتفال بهذا العيد أمرا شائعا ورسميا في بغداد العباسية.
لقد انتشر هذا العيد السوري القديم لدى شعوب آسيا الآرية والتركستانية بعد أن حكم الفرس بابل (539 ق.م) حيث اقتبس الفرس هذا العيد وأطلقوا عليه حسب اللغة الفارسية اسم (نوروز – أي اليوم الجديد) وهي ترجمة شبه حرفية للتسمية البابلية (يومو نيشان) أي (يوم التفتح والتجدد)، وقد بدأ الفرس يحتفلون به حسب السنة البابلية وبنفس التاريخ، 21 آذار.
أما إذا بحثنا في عيد النيروز والأصل في أسطورته، فإن الأسطورة الفارسية تقول إن الملك الفارسي "جمشيد" أوتي سلطانا واسعا على الجن والإنس، ونقل جميع ممالك حكمه على سرير ذهبي في  يوم حلول الشمس في برج الحمل، فتم تقديس ذلك اليوم.
أما الأسطورة الكردية فتقول إن ملكا "ظالماً" اسمه سرجون كان يذبح كل يوم عدداً من الشباب حتى يشفى من مرضه وذلك بناء على نصيحة من كهان، فقام أحد الشباب واسمه "كاوا" برفقة آخرين بقتل الملك الظالم، وأوقدوا النيران على الجبال احتفالا بالنصر، وصادف احتفالهم دخول الشمس في برج الحمل وحلول الاعتدال الربيعي.
ويعد عيد شم النسيم المصري أقدم احتفال شعبي عرفه قدماء المصريين منذ ما يقرب من خمسة الآف سنة، وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم احتفال رسمياً كبيراً، فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب ليشهدوا غروب الشمس، وترجع تسمية "شم النسيم" بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية "شمو"، وهي كلمة هيروغليفية قديمة تعنى عيد الخلق أو بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم يرمز إلى بدأ خلق العالم وبعث الحياة، ويقال إن عبارة "شم النسيم" تعني "بستان الزرع" بحسب اللغة القبطية المصرية القديمة، حيث "شوم" تعني "بستان"، و"نيسيم" تعنى "الزرع"، وحرف "إن" بينهما للربط مثل of في الإنجليزية، فتصير الكلمة "شوم إن نيسيم" بمعنى "بستان الزروع"، وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت تنطق عربياً "شم النسيم".
وفي الديانة البهائية، قسم البهائيون سنتهم إلى 19 شهر كل شهر 19 يوم، ويكون شهر الرضوان هو شهر الصيام في البهائية، الذي ينتهي بعيد الرضوان وهو ما يماثل عيد الفطر عند الصائمين المسلمين، ويصادف عيد الرضوان 21 آذار من كل عام.
إن عودة الحياة إلى الأرض، كانت بمثابة رضى الأرض الأم عن أبنائها، ولذلك اقترن هذا التاريخ في العصر الحديث بعيد الأم، وجاء أول إعلان رسمي عن عيد الأم من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1910، ثم بدأ الاحتفال بهذا اليوم ينتقل إلى المكسيك ثم كندا فالصين واليابان وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، حيث كان أول احتفال بعيد الأم سنة 1908 عندما أقامت "آنا غارفيس" ذكرى لوالدتها في أمريكا بعد عامين من وفاتها، وكانت والدتها تقول "في وقت ما، وفي مكان ما، سينادى شخص ما بفكرة الاحتفال بعيد الأم"، فأقسمت ''آنا'' بأن تكون ذلك الشخص الذي يحقق رغبة أمها، وبدأت القيام بعدة حملات لجعل عيد الأم معترف به في الولايات المتحدة ونجحت، ووافق الكونجرس الأميركي رسمياً على الإعلان عن عيد الأم عام 1913.
 


عدد القراءات: 10842

اخر الأخبار