شارك
|

البوظة الدمشقية.. عندما تتحدث أنامل السوريين بالسحر و الجود

تاريخ النشر : 2016-06-28

تقرير: أمين عوض

 

في صيفٍ اشتدَ فيه القيظ، وارتفعت معه درجات الحرارة، تأتي بوظة دمشق لتنزل أجواف الصائمين، فتمنحهم شعوراً رائعاً من البرودة، وتسكت عطش يوم صيامٍ طويل، و لبوظة دمشق حكايات ترويها أعين الذواقة وقلوبهم العطشى، التي تذوب بسحر المنتج الدمشقي الخالص الروعة.

 

و للبوظة العربية التي تصنع في محال دمشق القديمة أسرارٌ في البدعة والصنعة، يرويها حرفيون عشقوا ما يصنعون، فأصبحت البوظة بين أيديهم سفيراً يحدث ببدعة وروعة الطعم.

 

موقع "المغترب السوري" التقى السيد سمير بكداش ابن السلالة الدمشقية العريقة في هذه المهنة، و تحدث إلينا عن البدايات وأسرار المهنة وقال:" لقد توارثنا هذه المهنة من آبائنا وأجدادنا الذين بدؤوا العمل في محالٍ صغيرة ضمن أحياء دمشق القديمة، و لم تكن دمشق في تلك الآونة تعرف البوظة المدقوقة إلا على نطاقٍ ضيق، فإرث العثمانيين الثقيل جعل الناس تعرف فقط البوظة المثلجة والتي كانت تُعرف في تلك الآونة بالـ(دانديرما)".

 

يتابع السيد سعيد حديثه متأملاً صورة جده المعلقة على أحد جدران المحل و يقول:" بدايات العمل لم تكن سهلةً البتة في ظل عدم وجود الكهرباء في مدينة دمشق، ولا يخفى على أحد أن هذه المهنة تحتاج إلى أجواءٍ باردة، فقمنا باختراع أحد الآلات التي تضمن تصنيع هذا المنتج, وهو أمرٌ نتفرد به دوناً عن سوانا، ولا أستطيع الإسهاب في الحديث عنه، فهو أحد أسرار مهنتنا التي نتداولها فقط ضمن العائلة".

 

وعن المكونات التي تدخل في تكوين هذه التحفة كما يصفها أهل الشام يضيف السيد سعيد فيقول: "نعتمد على الحليب الطازج، والقشطة الطازجة التي كانت  تأتينا فيما مضى من ضواحي دمشق، والسحلب الطازج المستخرج من الجبال، والمسكة والفستق الحلبي, وماء الزهر الصافي المستخرج من زهر الليمون، وماء الورد المستخرج من الزهور الدمشقية، والفواكه الدمشقية الطازجة كلٌ بحسب موسمه، ولا تدخل في تركيبة البوظة الدمشقية  أي موادٍ كيمائية أو ملوناتٍ أو منكهات، كما هو الحال مع البوظة الغربية أو الإفرنجية, كما يحلو للقدماء هنا في العاصمة تسميتها".

 


أما عن أهم الصعوبات التي تواجههم فيقول السيد سعيد: "إن من أهم الصعوبات هي ندرة اليد العاملة الخبيرة بهذه الحرفة القديمة, لكن ذلك الأمر ليس بالعقبة الكبيرة، فنحن ما زلنا و سنبقى نعلِم و نخرج أجيالاً قادمة خبيرةً بصناعة البوظة الدمشقية، كي لا نفقد هذه التركة أو يندثر هذا التقليد الذي أصبح أحد العقود الاجتماعية في المدينة".

 

أبو عدنان أحد المواظبين على أكل البوظة العربية وأحد عشاقها الذين التقيناهم أثناء زيارتنا يحدثنا بشغف المحب و يقول: "إن البوظة الدمشقية بمثابة ( إصطمبا) على حد تعبير أبو عدنان تميز مدينة دمشق, فالقاطنون والزائرون يعشقون هذا المنتج الدمشقي الخالص ويواظبون على أكله صيفاً، شتاءً وفي كل الأوقات، فكيف إن كان الشهر رمضان, فالبوظة الدمشقية تعتبر أحد الحلويات الأساسية في كثيرٍ من الأحيان، فهي تمنح الصائم كل السكريات والطاقة اللازمة ليتحمل الصائم يوم الصوم الطويل، سيما و إن كان الصيام صيفاً".

 

بوظة دمشق لم تقتصر بشهرتها ونكهتها على أبناء دمشق وسورية فقط، بل انتقلت أيضاً إلى عواصم مختلفة حول العالم, وذلك بفضل خبراتٍ سورية وعشقٍ أزلي لأدق تفاصيل هذه المهنة، فاستطاعت بنفحة جودٍ و نفحةِ عشق، أن تكون سفيراً سورياً بجدارةٍ عالية مثَل سحر المدينة في كل الأصقاع خير تمثيل.  


عدد القراءات: 12000

اخر الأخبار