شارك
|

ســــــوريـــــون: أبو محمد.. شاب الهوى وشبنا

تاريخ النشر : 2016-07-28

من كان على جوع منكم وفي أي وقت من أوقات اليوم، أي على مدار الـ24 ساعة، يمكنه إن شعر بوخزة جوع لا ترحم في الساعة الرابعة صباحاً مثلاً، أن يقصد ساحة باب توما، وهناك سيجده واقفاً خلف بسطته البسيطة، يمرّر الزيت لهذا الصحن والطحينة إلى ذاك، وبين نداء هذا “واحد فول باللبن” وصياح ذاك “فحل بصل بعد أمرك معلم” يقف “أبو محمد” -65 عاماً- الصورة- مبتسماً على حاله منذ أكثر من 35 عاماً، تاريخ شرائه لمطعم الهيثم الشهير في ساحة باب توما “اشترالنا الوالد المطعم من تقريب الأربعين سنة وصرلي هون من هداك الوقت” قالها وفي مصادفة ربما هي الأغرب انبعثت من الراديو الجالس خلفه كمراهق بعد أن أنهى جملته “صرلي شي مية سنة مشلوح بهالدكان”


يداه تمرّنتا على العمل حتى صار بالنسبة إليه كأنه “شربة مي” ولقمته كما يقول السيد عزت الكرش ما في أطيب منها بالعالم “هون اللقمة مخدومة، صحيح ما حدا بيقول عن زيتو عكر، بس اسأل مين ما بدك، لقمة هالمحل يا عمو، مو معروفة بس بسورية، صيتنا واصل مع السياح اللي كانوا يجو لهون لأوروبا كلها”.


السيد عزت لم يكن يعمل في مهنة الفوال سابقاً، بل كان خبازاً، وهو معتاد على الأعمال الصعبة نسبياً، إلا أنه رجل يستمتع بما يعمل، لم يصِبه الملل لكنه تعب “عمري صار 65 سنة يا عمو واللي بعمري بيكونو عم يعيشوا كم يوم حلوين باللي ضللن بالدنيا، بس شو بدنا نعمل الحال ما بترحم، ومتل مانك شايف الحياة صايرة أصعب من الموت” قال السيد عزت وأنهى بعدة حركات رشيقة صحن الفتة، بعد أن وضع الحمص فوق الخبز ثم “البدوة” الخاصة بمطعم الهيثم، قليلاً من السمنة الساخنة، وها هي زبدية الفتة جاهزة والزبون سعيد.


أبو محمد رجل عملي، لم تغيّره الحياة كثيراً، نهاره الذي يبدأ من الخامسة صباحاً بفنجان قهوة مع أم محمد في منزله الكائن بحي العمارة، سيستمر حتى آخر الليل، قبل أن يعود الرجل إلى بيته كما جاء، سيراً على الأقدام،  وفي البيت الذي فتحه من عرق جبينه، وجد نفسه اليوم جداً لأحفاد عدة، بعد أن زوّج بناته الخمس، أما محمد فهو يعاونه في الصيف أيضاً في المحل.


كما كل شيء في البلد، تغيّرت الحياة أيضاً على أبي محمد، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية أيضاً، فالحياة غدت أسرع والناس مستعجلون وقلقون دائماً وكأن الريح تحتهم “الناس هلا عم تركض ما عم تلحق يا ابن الحلال، واللي كان يمر يقول مرحبا، صار ماشي وكأنو نايم” الأمر الذي انعكس على أشغال المطعم بعد ارتفاع سعر الصحن من 50 ليرة سورية إلى 300 ليرة “بس الحمد لله ماشي الحال وإلا ما تفرج”.
في الوقت الذي قامت فيه أغلب المطاعم والمحال المختصة بتقديم الطعام، بتحديث ديكوراتها وتغيير منظرها ليتلاءم مع روح العصر الطائشة، بقي محل الهيثم على حاله دون أي تغيير، بضع طاولات صغيرة في الداخل ومثلها على الرصيف، عدة العمل مرتبة بشكل نظيف في أماكنها، وعند سؤالنا الرجل عن سبب عدم تحديث المكان؟ قال “الشغلة باللقمة الطيبة والنضيفة، هادا المهم، في ناس بس تشوف المطعم مدوكر ومزبط بتدير ضهرها وبتمشي بتفكر المكان غالي، هون بيجي الدرويش والزنكيل والتنين بيحبّو المكان ولقمتو”.


أما الناس والحياة فالسيد عزت يرى تغييراً كبيراً وشرخاً عميقاً طرأ على حياة الأسرة السورية “أول شي كانت كلمة الأب مسموعة ومتل السيف على كل بيتو، هلا الله وكيلك الولد بيمشي أبوه وأمو على كيفو، الله يستر آخرتنا أحسن شي”.


:عم أبو محمد إذا اشتهيت صحن فول أو فتة، في أي مطعم تحب أن تأكله غير هنا؟ “هون وبس”. :وماذا إن كان من تحت إيدين أم محمد؟ فضحك الرجل ..ضحك طويلاً.

تمام علي بركات .جريدة البعث 

 


عدد القراءات: 12056

اخر الأخبار