شارك
|

الذات العربية إبداعياً ... محطّمة مكلومة وحبيسة

تاريخ النشر : 2015-09-20

 رهام راجح محمود

 

لا يكاد المشاهد يفرغ من متابعة فيلمInterstellar  لمخرجه Christopher Nolan  حتى تتملّكه الرغبة في مراجعة قوانين الفيزياء المتعلّقة بالكون، ليكون داخل اللّجة يوما ويقتحم عبابها. حيث يصور الفيلم رحلة يقوم بها عدد من رواد الفضاء عبر ثقب أسود باحثين عن كوكب بديل للأرض، بعد أن شارفت على الهلاك.


وليس بخافٍ ما سيحدثه هذا الفيلم من أثرٍ لدى جمهور الشباب الأمريكي، الذي سيسعى ليحيا تجربة أبطال الفيلم ولو بخياله. وهذا الفيلم لم يكن الأول ولن يكون الأخير في قائمة تطول وتطول لأفلام وروايات أمريكية تسعى إلى إذكاء شعلة التحدّي لدى الفرد، والتّغلب على الواقع مهما حوى من محن.
فكرة قدمها أرنست همنغواي الكاتب الأمريكي الشهير الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1954في روايته الشيخ والبحر، وهذه المرة في محيط من الميتافيزيقيا الزرقاء "الفرد القادر على تغيير مسرى الصراع في مواجهة ظواهر طبيعية خارقة فإذا سمى الهدف، سخرت النفس إمكاناتها اللامحدودة في سبيل تحقيقه".


وفي المقلب الآخر، ما إن ينهي المتابع مشاهدة فيلم ٍعربيٍ أو يفرغ من قراءة روايةٍ عربية حتّى تتكبل روحه بألف قيد وقيد، وتتملّكه مشاعر الانكسار والخيبة والهزيمة والهوان، وكأنّ الذات العربية لا يكفيها ما تمر به من انكسارات سياسية واجتماعية وأمنيّة، حتّى يقضي الكتاب والمخرجون على ما تبقى من أمل في بعثها.


ولا جرم  أنّ تفاصيل حياة المبدع الأمريكي تختلف كليا عن تفاصيل حياة المبدع العربي، الذي بالكاد يجد قوت يومه. ولما كان الإحساس بذرة الإبداع، كان لا بد للخطوب والمحن من أن تعمل طِعانَها في سريرة المبدع قبل أيٍّ آخر.
ولكن، ألم يكن للنخب الثقافية دائما عبر التاريخ دورها الريادي في تحريك الرأي العام واستنهاض الشارع عبر منتجاتها الإبداعية التي غيّرت الواقع مرارا؟ وكم من حدث تاريخيٍّ بارزٍ تغيرت مجرياته بفعل قصيدة أو قطعة نثرية .
يعيش أغلب المثقفين العرب حالة استلابٍ معنوي وفكري إزاء منتجات الآخر الغربي، فإمّا أن يعيدوا إنتاجها بصورة أخرى أكثر مضاضة  لجذب المتلقين المشدوهين أصلاً أمام إنجازات العقل الإبداعي الغربي الخلّاق، وإمّا أن يقفوا في وجه الأعمال الإبداعية الغربيّة فيشجبوها ويحذروا منها بغير وجه حق، بحجّة  أنها تغير هويّة المجتمع العربي!


وبين هذا وذاك يحاصر الواقع اللّعين ونكبات الأمة المتوالية ونكساتها كُثرا آخرين سُلبوا الرغبة في الحياة، وتصنّع التوازن النفسي، كما كان مع لؤي كيالي الذي قال عنه ممدوح عدوان في كتابه دفاعاً عن الجنون : وأنا أريد أن أكتب عن لؤي كيالي لأنني أريد أن أحتفل بالعثور على مجنون حقيقي، إنسان كانت لديه الجرأة على إعلان جنونه دون أن يهتم للآخرين الذين انشغلوا بالتغطية على هذا الجنون، وكأنه قد كشف عوراتهم ومخازيهم، فاختيرت لحالته أوصاف لبقة مثل (أزمة عصبية ) و(انهيار عصبي ) و (تعب أعصاب)..


وتبقى كلمات الأديب العربي الضرير طه حسين الذي عُيّن وزيرا للمعارف في مصر ترنّ في الأُذن حين سأله أحدهم، متى ستتحسّن الظروف في مصر فأجاب: لمّا نشوف.

 

 


عدد القراءات: 4448