يعتبر رأس ابن هاني أكثر رؤوس الساحل السوري بروزاً، ويقع على بعد نحو عشرة كيلومترات شمال مدينة اللاذقية. وقد ابتدأت أعمال التنقيب فيه عند اختيار موقعه الجميل لإقامة منشآت سياحية، ولدى مباشرة العاملين بوضع أساسات البناء، ظهرت على الفور معالم أثرية واضحة.
كان رأس ابن هاني يُعرف قديماً باسم "رأس الفنار". ويبدو أن شبه جزيرة ابن هاني كانت في الأصل جزيرة مربعة الشكل، اتصلت باليابسة بذراعين رمليين بينهما منطقة واطئة. وقد أخذ الرأس شكله الحالي على الأرجح في نهاية القرن الأول قبل الميلاد.
انطلقت أعمال التنقيب في رأس ابن هاني عام 1975 على يد بعثة سورية-فرنسية، واتضح للبعثة أن الموقع يضم مدينة أغاريتية ملكية أسست في وقتٍ ما من القرن الرابع عشر أو الثالث عشر ق.م، وأخذت اسم "أُغاريت البحر" أو "أفّو" أي الأنف. ثم استولت عليها "شعوب البحر" التي نزحت عن بلاد اليونان وكريت في نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد دمر هجوم هذه الشعوب المدينة الأوغاريتية وملحقاتها وأقامت فيها شعوب البحر ردحاً من الزمن.
بعد استيلاء الاسكندر المقدوني على الشرق، توالى البطالمة والسلوقيون على هذا الموقع المهم وأنشؤوا فيه مدينة ومرفأً وحصناً مهماً وعرف الميناء والمدينة باسم «ديوسبوليس».
تم تدمير القلعة مع قدوم الرومان قبل أن تغمر مياه البحر الموقع في القرنين الأول والثاني الميلادي، ومع انحسار المياه في القرن الرابع الميلادي قامت من جديد بلدة دُمّرت بزلزال أنطاكية عام 526م واختفت آثارها عن سطح الأرض إلى أن بدأ البحث من جديد عن هذا الموقع المهم في القرن العشرين.
سلَّطَت نتائج التنقيبات الأثرية ضوءاً هاماً على تاريخ الساحل السوري بين القرن الثالث عشر ق.م والسادس الميلادي. وكانت أهم نتائج التنقيب اكتشاف مدينة أُوغاريتية جديدة تابعة لمدينة أُوغاريت (الأم)، وأسس المدينة أحد ملوك أوغاريت في بحر القرن الرابع عشر أو في أواخره. والمكتشف من هذه المدينة الجديدة حتى الآن قصران: الأول جنوبي بمساحة خمسة آلاف متر تقريباً وله من الشرق سور دفاعي مائل يماثل سور مدينة أُوغاريت. ويبدو أن هذا القصر قد هُجر وأفرغ من محتوياته بسبب الخوف من غزو شعوب البحر بعد تحذير ملك قبرص لملك أوغاريت بهذا الشأن. أما القصر الثاني الشمالي فهو مماثل في طريقة بنائه للقصر الجنوبي ويعتقد أنه يعود لأخت ملكي أم الملك الأوغاريتي عمشتمرو الثاني (1260-1230 ق.م). أظهرت نتائج التنقيب أن هذا القصر كان مأهولاً عندما تعرض للهجوم المدمر، إذ تظهر آثار الحريق واضحة على معالمه في كسوة الجدران والأرضيات، ووجدت عدة لقى أثرية تظهر عمليات النهب والتدمير التي تعرض لها القصر.
تكمن الأهمية الحقيقية في كشف الرقم المسمارية التي بلغ عددها حتى الآن مائة رُقيم محررة بـالأبجدية الأوغاريتية وبالأكدية-البابلية. وتضم مجموعة الرقم هذه وثائق هامة تشمل العديد من جوانب الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والدينية والثقافية. وفي عام 1982 حققت البعثة الآثارية أمراً عظيماً يتصل بالتاريخ الاقتصادي في سورية وفي شرق البحر المتوسط والعالم القديم برمته، وهو العثور على منشأة لصب سبائك البرونز والنحاس معدة لأغراض التجارة والتصدير. وعلى قسم صناعي واضح يتعاطى أمور صناعة الحلي والأرجوان. وألقى هذا ضوءاً ساطعاً على نشاط مملكة أغاريت الصناعي والتجاري البارز في تلك الحقبة.
وما يزال البحث مستمراً فيما إذا كانت المدينة الجاثية في رأس ابن هاني هي مدينة الأنف (أفو) في الكنعانية أو أوغاريت البحر «أغاريت يم»، أو مدينة الآبار (بيروت) الكنعانية القديمة.
الآثار المكتشفة لهذه المدينة موجودة في متحف اللاذقية.