شارك
|

أم أيهم.. كروم ألفة وبيادر عطاء

تاريخ النشر : 2016-08-14

عام 1975 توجّهت الشابة أمل شاهين، لتخطو أول خطوات حياتها العملية في مستشفى المواساة، قادمة من منطقة الدريكيش التي ربّت عوالمها وخيالاتها وعواطفها، تحت سنديانها ولدت وبين كرومها لعبت وفي مدارسها تعلّمت أبجدية الحياة، وإلى المهنة التي وجدت فيها شغفها شدّت رحال النية الصادقة، بعمل شريف وأسرة صالحة وحياة كريمة، عاشتها الست ” أم أيهم” -59 عاماً الصورة- في كنف بيتها وأسرتها التي رعتها بماء العين “تعيّنت بمشفى المواساة الجامعي، بعدما أخدت شهادة التاسع، رحت على مدرسة التمريض، وبعد ما بلشت شغلي بالتمريض عرفت شو قيمة هي المهنة الحقيقية، الممرضة أم وأخت وصديقة، هيك لازم يحس المريض وهيك لازم مهنتنا تكون” قالت أم أيهم.

 

بعد سنين عمل دؤوب ومضنٍ، تنقّلت فيها السيدة أمل بين مختلف أقسام المستشفى، صارت لديها الخبرة الكافية لتصبح رئيسة قسم التمريض في المستشفى التي مضى عليها فيها 40 عاماً، لتأتي محبّة زملائها والطاقم الطبي التي هي من أفراده، لإعطائها الدافع للعمل في هذه المهنة الإدارية الشاقة فعلاً “أكثر من 900 ممرضة وأكثر من 600 سرير، ومراجعات يومية للمشفى تصل إلى ما يفوق الألف شخص يومياً، والعديد من الأجهزة الطبية التي عادت إلى العمل بعد أن تعطّلت منذ خمس سنوات كالمرنان وجهاز تفتيت الحصا وغيرها، هذه أمور ليس من السهل إدارتها والتعاطي معها على مدار الساعة وكل يوم” قالت أم أيهم وتابعت: “بس صدّقني يا ابني، ضحكة مريض خفّ وجعو، أو طفل صار يضحك بعد ما كان عم يبكي بتنسي التعب والهموم”.


الساعة الثامنة صباحاً ستكون أم أيهم على طاولة مكتبها تستعدّ لبداية يوم عمل طويل، لن يبدأ باجتماعها مع مشرفي الأقسام الذين يرفعون إليها تقارير العمل اليومية، مروراً بتوزيع الكادر التمريضي على أقسام المستشفى الضخم، ولن ينتهي بمراجعتها لكل شاردة وواردة تتعلق بأوضاع المرضى وأحوالهم “أغلب اللي بيراجعو المشفى هنن الناس الفقراء، باعتبار المواساة مشفى مجاني، الدولة مأمّنة كل شيء فيه للمريض، وهدول إخواتنا وأهلنا، وأحياناً الضحكة والاستقبال الحلو بيخفف الوجع”، فالمشفى الذي يؤمّه السوريون من كل محافظات القطر وعلى مدار الساعة، هو مجاني بالكامل، ودون أي رسوم، إلا أن الضغط زاد عليه كثيراً بعد بداية الحرب “منستقبل كل المرضى والكل عنا أمانة برقبتنا، والحمد لله الله معنا وموفقنا بشغلنا”.


لم تنحصر الحياة العملية للسيدة أمل في أروقة المشفى فقط، فهي حيث تقطن، يعتبرها الجيران طبيبة الحي “جيراني إذا بدّن حبة سيتامول بيدقولي، وما حدا قصدني مرة وفيني قدّمتلو مساعدة إلا ولبيتا برضا”. لأم أيهم ستة أبناء، جميعهم جامعيون، وابناها الآن في صفوف قواتنا المسلحة، وهي تحكي بفخر عن وطنها الذي لا يُبخل عليه حتى بفلذات الأكباد “الحمد لله جميع أولادي درسوا بمدارس الدولة وجامعاتها، تخرّجوا وتوظفوا وما كلفونا إلا القليل القليل، ولما بيكون علينا نردّ الدين، فهدا أقل الواجب، الله يحمي هالبلد وينصرها”.   إلا أن هناك غصّة في صدر هذه السيدة التي تشبه دالية عنب حنوناً، فهي بعد عام ستتقاعد “وأنا الحمد لله لسّاني بصحتي وقادرة أعطي، وبتمنى يتوافق على التمديد إلي”، ختمت السيدة أمل ومن فوق كتفها تعالى هتاف أجنحة لا مرئية بالجو، يبدو أنها ملائكة ألفتها، تؤنس هذه السيدة البيضاء والصافية كنبع الدريكيش.

 

تمّام علي بركات. البعث


عدد القراءات: 11767