الكاتدرائية المريمية في دمشق، والمعروفة أيضا باسم الكنيسة المريمية: هي واحدة من أقدم الكنائس الأرثوذكسية اليونانية في دمشق، وجزء لا يتجزأ من الكنيسة الكاثوليكية العالمية، ويعود تاريخها للعقود الأولى للميلاد. سميت الكاتدرائية على اسم السيدة العذراء مريم المقدسة والدة السيد المسيح عليه الصلاة والسلام.
تقع في منطقة باب توما في دمشق القديمة على يسار الطريق المستقيم المتجه إلى باب شرقي، وهي من الكنائس الأثرية السورية القديمة فتاريخها يعود إلى بداية انتشار المسيحية في دمشق، كما أنها كنيسة أرثوذكسية تابعة لطائفة الروم الأرثوذكس. وهي بمثابة كرسي بطريركية الروم الأرثوذكس في أنطاكية وسائر المشرق، وهي واحدة من أكبر الكاتدرائيات من نوعها في الشرق الأوسط. وتعتبر من أهم الكنائس في سورية.
تشتهر الكاتدرائية بأعمالها الجصية واللوحات المزخرفة على الطراز الباروكي، والتي تم ترميمها على مر السنين كما أنها موطن للعديد من الآثار بما في ذلك جزء من الصليب الحقيقي، وقطعة من زي العذراء.
في تاريخ الكنيسة المريمية
تم تأسيس هذه الكنيسة في أواخر القرن الرابع عشر من قبل المريميين الذين كانوا يؤدون شعائرهم الدينية سرا، وفي عهد الإمبراطور قسطنطين كان العديد من الجنود في جيشه مسيحيين، وكان جيشه قاعدة قوته. فقام بالإتفاق مع ليسينيوس، (الإمبراطور الروماني الشرقي)، بإصدار مرسوم ميلانو الذي ينص على تسامح جميع الديانات في الإمبراطورية. وهكذا أعطت الإمبراطورية البيزنطية لرعاياها الحرية في العبادة، وعندها أظهر المريميون معبدهم الصغير إلى العلن وكرسوه لمريم العذراء.
تعرضت الكنيسة المريمية للحرق والنهب بشكل متكرر من عام 614 م وحتى تعرضها للزلزال المدمر في عام 1759 وقد تم إعادة بناء الكاتدرائية الحالية، المخصصة لرقاد السيدة العذراء، ابتداءً من عام 1870م.
في عام 706، أعيد فتح معظم الكنائس في دمشق للعبادة، ومنها الكنيسة المريمية وقد تم أثناء التنقيب اكتشاف الصندوق الذي يحمل رأس يوحنا المعمدان، المكرم في الإسلام بالنبي يحيى. وقد بنيت القبة الفعلية فوق رفات القديس يوحنا المعمدان". داخل غرفة الصلاة بالمسجد. وأصبحت الكنيسة المريمية منذ ذلك الوقت كاتدرائية دمشق.
وقد اهتم الدمشقيون بذخائر يوحنا المعمدان المحفوظة في الكاتدرائية المريمية ، فخبأوها في صندوق خشبي عليه رق مكتوب بخط اليد باللغة اليونانية، ودُفن الصندوق في أرضية الكاتدرائية.
وفي عام 1342 م تم نقل الكرسي البطريركي الأنطاكي من أنطاكية إلى دمشق لتصبح الكنيسة المريمية بعدها مقراً لكنيسة الروم الأرثوذكس في المشرق.
في عهد والي دمشق ختكين التركي أُعيد بناء الأسقفية المريمية والكنيسة وقام الأهالي بتجميلها وتزينها حتى غدت من المعالم الدمشقية البهية.
في عام 1404 م هاجم التتار مدينة دمشق وقاموا بتدمير الكنيسة وهدم رواقها الغربي وسرقة ما فيها من ذخائر وكنوز كَنَسِّيَة، وبعد خروج التتار أعاد البطريرك ميخائيل الثالث بناء الكنيسة وتزينها.
في عام 1759 م تعرضت المنطقة إلى هزة أرضية عنيفة جدا أدت إلى تصدع جدران الكنيسة، وبقيت الكنيسة على حالها حتى وصول البطريرك الأنطاكي دانيال (1767 م - 1791 م) والذي استأذن والي دمشق محمد باشا العظم بإعادة بنائها وكان ذلك في عام 1777 م.
في زمن البطريرك الأنطاكي إيروثيوس (1850 م - 1885 م) أعيد بناء الكنيسة بأموال من قبل الحكومة بالإضافة إلى أموال وصلت إليه من المعتمد البطريركي الأنطاكي في موسكو الأرشمندريت غفرائيل شاتيلا، وقد قام إيروثيوس بضم الكنائس الأخرى والتي كانت بجوار الكنيسة كما أعاد بناء الكنسية مضيفا إليها الحدائق والأروقة والفسح الخارجية لتصبح من أكبر وأجمل كنائس دمشق.
أما في زمن البطريرك إسبريدون (1891 م - 1898 م) فتم بناء قبة الجرس في الكنيسة.
في عام 1953 م عانت الكنيسة من تصدع في سقفها فجدد وأعيدت النقوش إليه على يد البطريرك ألكسندروس الثالث بأموال تم تقديمها من الحكومة السورية ومن مؤسسات الرعية الأرثوذكسية.
وإلى اليوم يتم العمل على تجميل وتحسين وتجديد الكنيسة من أموال التبرعات المقدمة إليها.
في وصف الكنيسة المريمية
تعتبر الكنيسة المريمية من أكبر وأجمل الكنائس في الشرق وفق ما تصفها الكتب والمراجع، وقد وصفها الرحالة العربي المعروف ابن جبير بعد أن زارها عام 1184م بقوله:
"يوجد داخل المدينة كنيسة ذات أهمية كبيرة وشأن عظيم. وتعرف باسم كنيسة مريم. وتأتي أهميتها بعد كنيسة القدس. وهو بناء جميل يضم صوراً عجيبة تروق للعقل والعين ويتضمن من التصاوير أمرا عجيبا يبهر الأفكار ويستوقف الأبصار ."
طراز الكنيسة بيزنطي وهي تتسع إلى ستمائة شخص وتقام فيها الشعائر الدينية المختلفة، هناك رواق معقود بأقواس نصف دائرية يحيط ببناء الكنيسة الأساسي، وله ثلاثة أبواب، يفضي الأوسط الكبير إلى مدخل خشبي مستطيل، يتوسط القاعة وفي الداخل ستة أعمدة تقسم صحنها الرخامي الكبير. وعلى الجانبين منبران من الحجر لكل منهما سلما ملتويا كانا يستخدمان لقراءة الإنجيل.
وفيها على الجانبين اثنتان مما يسمى بالبيما وهو مكان وقوف الجوقة (الكورال) الذي يردد الصلوات والتراتيل الدينية خلف الكاهن والذي يقوم بالغناء الكورالي في الاحتفالات الدينية.
أما في واجهة الكنيسة فتوجد المنصة الحمراء والتي يقف عليها الكهنة لتأدية الصلوات وخلف واجهة المنصة الحمراء يوجد المذبح والغرف المخصصة للطقوس الدينية.
على يمين ويسار المنصة يوجد مقاعد حمراء مخصصة للضيوف وأهل الميت فيما إذا كانت هناك مراسم جنائزية مقامة.
هناك طابق علوي للكنيسة وفيه تسع نوافذ كان يستخدم سابقا كمكان لصلاة النساء، وطابق ثالث ذو مستوى متراجع مع عدد من النوافذ أيضاً، يعلوه صليب.
سقف الكنيسة خشبي ويعتبر لوحة فنية لما فيه من نقوش وزخارف، أما جدران الكنيسة فتملؤها اللوحات الفنية والأيقونات المختلفة أهمها أيقونة المسكوبية، وللكنيسة فناء أمامي وآخر جانبي فيه البرج الجرسي للكنيسة.
تحتوي الكنيسة على محاكم روحية خاصة بالمسيحيين الأرثوذوكسيين وهي محاكم البداية والاستئناف، كما تضم ضمن مدفن خاص رفاة كافة البطاركة الذين تعاقبوا عليها.
أقسام االكنيسة المريمية
كنيسة مريم
كنيسة مريم هي المبنى الرئيسي للكنيسة، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع الميلادي . وفيها تقام الشعائر الدينية المختلفة.
كنيسة القديس مار تقلا
تمت إضافة الكنيسة إلى المجمع بعد ترميم الكاتدرائية عام 1840. وهي تضم المقر البطريركي لكنيسة الروم الأرثوذكس في أنطاكية.
كنيسة القديسة كاترين
تمت إضافة الكنيسة بعد أعمال الترميم. تحتوي على متحف صغير مخصص لتاريخ الكنيسة. ويوجد فيها متحف للألبسة والأوسمة والأيقونات المتوارثة من البطاركة والرهبان.
ساحة كنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا وكنيسة القديس نيقولاوس
هما كنيستان تم ضمهما إلى الكنيسة المريمية إبان أعمال الترميم والتجديد.
الأقبية
وهي متواجدة تحت بناء الكنيسة.
البرج الجرسي أو (قبة الجرس)
وتم بناؤه في زمن البطريرك إسبريدون (1891 م - 1898 م).
الخدمات التي تقدمها الكنيسة المريمية
1. خدمات الصلاة: تقدم الكاتدرائية المريمية بدمشق مجموعة متنوعة من خدمات الصلاة بما في ذلك القداس الإلهي. والصلوات الإلهية ودراسة الكتاب المقدس والخلوات الروحية والوقفات الاحتجاجية.
2. برامج التعليم: توفر الكاتدرائية المريمية بدمشق برامج وفصول تعليمية أساسية للبالغين والأطفال، بدءا من المستوى الابتدائي إلى مستوى الدراسات العليا والليسانس.
3. الفعاليات: تقدم الكاتدرائية مجموعة واسعة من الفعاليات، بما في ذلك الحفلات الموسيقية والأمسيات والمحاضرات الليتورجية، وهي مفتوحة للجمهور وتهدف إلى نشر الثقافة والمعرفة الأرثوذكسية.
4. خدمة الشباب: تشجع الكاتدرائية المريمية بدمشق الشباب على المشاركة في الأنشطة والندوات والخلوات المصممة لمساعدتهم على النمو في الإيمان وتطوير علاقة أوثق مع الله.
5. الخدمات الاجتماعية: تقدم الكاتدرائية الخدمات الاجتماعية للطلاب وأسر المجتمع المحيط بها. وتشمل هذه الخدمات توفير الطعام والملبس، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات والمنح الدراسية.
رزان محمد