شارك
|

من هو عبد الغني الحموي.. وماذا صنع؟

تاريخ النشر : 2016-03-02

في يوم من أيام صيف عام 1893، كان أحد العمال يصلح رصاص سقف الجامع الأموي بدمشق من الجهة الغربية، ويبدو أنه أعجب بالمنظر، فجاء بنرجيلته وأوقد النار ليشعلها. فأشعل النار في الجامع.
كان خشب السقف قديماً جافاً، فما إن شم رائحة النار حتى التهب كله دفعة واحدة، وخلال نصف ساعة صار سقف الجامع شعلة واحدة، التهب معه المسجد، وانهار على أثره البناء كله... وامتدت النار إلى الأسواق المجاورة.
ومع توقف النار التي بدأت صباحاً، أقيمت صلاة الظهر في الجامع، لقد وحدت هذه الكارثة قلوب الدمشقيين بأغنيائهم وفقرائهم، فقاموا بتأليف لجنة في كل حي لجمع المال لإعادة إعمار الجامع، فكان الغني يجود بماله، والفنان بصنعته. والفقير بعمله.
وقررت اللجنة المشرفة على الترميم والبناء استبدال أعمدة الجامع بأعمدة أخرى ضخمة حجرية حتى لا تكون عرضة للحريق، وكانت مثل هذه الأعمدة الضخمة متوافرة آنذاك في قرية المزة القريبة من دمشق، ولكن يتعذر نقلها إلى الجامع الأموي لضخامتها وعدم توافر وسيلة لنقلها.
وهنا لمعت في ذهن أحد العاملين في ترميم الجامع فكرة تصنيع عربة خاصة تجرها الثيران يتم بواسطتها نقل الأحجار إلى الجامع، وكان اسم هذا العامل عبد الغني الحموي.
وقد أورد عدد من مؤرخي دمشق وصف تلك الواقعة ومنهم جمال الدين القاسمي ومختار العظم وعلي الطنطاوي الذي يقول في كتابه عن الجامع الأموي: "هنا تظهر عظمة هذا الرجل الذي لم يكن مهندسا ولم يكن متعلما. لقد عرض عليهم أن يعمل عربة مستطيله واطية تجرَها الثيران، لها ملاقط من تحتها فهي تلتقط العمود، وتحمله من المزة إلى المسجد، وشكَوا في ذلك، فأخَبرهم أنه رأى مثلها في مقاطع الحجارة في إيطاليا، فأقروه على صنعها، فصنعت بإرشاداته، وصارت تحمل العمود الهائل من الأعمدة القائمة اليوم في الأموي وتأتي به يحف بها الناس والشباب بالعراضات والأهازيج".
وحين تم الانتهاء من نقل الأعمدة المطلوبة للجامع، أقسم عبد الغني الحموي بأنه طوال حياته لم ير مثل هذه العربة ولم يسافر قط إلى ايطاليا واضطر لاقتراح هذه الكذبة (البيضاء) لتنفيذ اقتراحه بتصميم العربة الضخمة.
كان يعمل في بناء الجامع أكثر من خمسمائة عامل يومياً لمدة تسع سنوات حيث انتهى العمل في اعادة البناء عام 1902، ولم تزل هذه العربة، موجودة في ساحة الجامع الأموي، وعمرها مئة وستة عشر عاما، شاهدا على عبقرية العامل عبد الغني الحموي.


عدد القراءات: 11690