"البيمارستان القيمري" يعد من أهم مشيّدات العصر الأيوبي، فضلاً عن دوره الرئيسي في معالجة الفقراء وتخريج الأطباء.
يقع على سفح جبل قاسيون في دمشق وسط منطقة الصالحية القديمة بجانب جامع الشيخ "محيي الدين بن عربي" الذي يحده من الغرب مقابل التكية السليمانية، ويعود الفضل في بناء البيمارستان القيمري للأمير "سيف الدين أبي الحسن القيمري" ما بين سنة "646 هـ و655 هـ"، ويدل بناؤه في حي الصالحية على درجة التطور العمراني للمنطقة.
وينقسم البيمارستان القيمري كما كل البيمارستانات في دمشق والتي بنيت في العهد المملوكي إلى قسمين منفصلين أحدهما للذكور والآخر للإناث، وكان كل قسم مجهزًا بما يحتاج إليه من آلات وخدم ومشرفين من الرجال والنساء، ويتفرع من كل قسم من هذين القسمين قاعات تخصصية، فهناك "قاعة للأمراض العقلية، وقاعة للأمراض الباطنية، وقاعة للجراحة، وقاعة للكحالة، وقاعة لتجبير العظام وقاعة للبرص"، وكانت كل قاعة مقسمة بدورها لتخصصات أدق. تم تزويد جميع غرف "البيمارستان" المواجهة للجنوب بنوافذ تطل على مدينة دمشق وحدائق الصالحية في ذلك الوقت عندما كانت دمشق مساحات خضراء على مد النظر، وكان يصرف عليه من أوقاف عديدة، لمعالجة المرضى وإيوائهم وإطعامهم، ولدفع رواتب الأطباء والممرّضين وجميع العاملين على الخدمة والطبخ والإشراف، أما من حيث البناء فإنه يتألف من أربعة أواوين، وواجهته تعد من أجمل واجهات الأبواب "هندسة وبناء وزخرفة"، فضلاً عن الهندسة الفريدة التي تتميز بها في الداخل، وخاصّة إيوانه والقاعتين القبليتين بنوافذهما، والقاعتين اللصيقتين بهما اللتين كانتا للمرضى المهولين.
كما كان البيمارستان القيمري بمثابة جامعة تدرس فيها العلوم الطبية إلى جانب مهمته الأساسية في معالجة المرضى المحتاجين والمساكين وإطعامهم، ومن أهم أطباء “القيمري” إبراهيم بن إسماعيل بن القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي، فضلاً عن ذلك فإنّ هذا البيمارستان كان من أهم المراكز الطبيّة "المشافي" في العالم الإسلامي في ذلك الحين، وكان هذا البيمارستان يعالج سائر المرضى، حتّى المجانين، وهو موقوف على الفقراء والمساكين، وهذا كله إضافة إلى كون هذا البيمارستان بمنزلة كلية للطب يدرّس فيها كبار الأطباء، فبعد أن يتفقد الطبيب مرضاه ومعه طلابه، يأتي إلى إيوان خاص مزود بكل الآلات والكتب ثم يلقي عليهم دروسه، أو يناقش معهم بعض الحالات التي وقفوا عليها.