لا يزال الحفر على الخشب يلقى رواجاً في السوق من المولعين بالجمال والأصالة، فهو من أقدم الفنون الجميلة في التاريخ، بدأ به الإنسان منذ العصور القديمة، واشتهرت المدرسة الدمشقية في حفر الخشب وتطعيمه بالصدف وانتشرت في جميع أنحاء العالم، وأنتجت على مدار قرون عديدة أرقى الأثاث وقطع الديكور، فقد تحوّلت القطعة الخشبية إلى تحفة فنية بأيدي الحرفيين المهرة، وتتلخص هذه الطريقة بعمل القطعة كاملة من قبل النجار، ثم يأتي الرسام ليصنع النقشة المرغوب فيها، ثم عامل دق القصدير الذي يحفر مكاناً للخيوط القصديرية ويثبتها، وبعدها يثبت عامل الصدف القطع المقطوعة حسب الرسمة.
تعتمد صناعة الصدف على خشب الجوز لسهولة الحفر عليه ووجوده بقطع كبيرة، ولونه البني المحروق، ويتميّز بمتانته ولا يتشقق مع الزمن، حيث يرسم الشكل المراد حفره على الورق بقلم الرصاص وبعدها يُنقل الرسم إلى الخشب.
اعتمدت الزخرفة الخشبية بالصدف على الحفر العميق والتلوين والتطعيم، واستخدمت لتشكيل رسومات هندسية جميلة، وبالتزيين الداخلي للعمارات الكبيرة، وأقدم ما يعرف من هذه التحف الخشبية يعود للقرون الأولى للدولة الإسلامية، منها سقف الرواق الأوسط في المسجد الأقصى وفي الجامع الأموي بـ”دمشق”، وقد زيّنت الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية سواء كانت حفراً على الخشب أم نقشاً عليه أو تلوينه بالصدف كمنابر المساجد والصناديق وحوامل المصاحف وصناديق الملابس والخزائن والكراسي.
تختلف أنواع التصديف من حيث أحجام الصدف أو أشكاله أو طريقة تزيينها، فهناك التصديف المشجّر ويستعمل في تزيين القطع الكبيرة مثل الصناديق وتزيين الكراسي.
وفي التصديف الهندسي لا يتم استعمال أصداف كبيرة وإنما يتميز هذا النوع بصغر أحجام القطع الصدفية التي تزين العلب.
لم تبقَ مهنة التطعيم بالصدف حبيسة تقنيات الماضي بل أدخل إليها الحرفيون الجدد تطوّرات كبيرة على مستوى نوعية القطع الخشبية المعمول بها والشكل الفني لطريقة التطعيم بالصدف، ودخلت الآلة في صناعته حتى أصبح هناك تقليد للفن الأصلي وبدلاً من حفر الخشب باليد ولصق الصدف داخله يلصق الصدف على السطح، وتطوّرت أيضاً هذه الحرفة عبر الزمن فبعد أن كانت محصورة بصندوق العروس وجهازها توسّعت حتى شملت الصناديق الصغيرة التي تقدّم للسياح وديكور المنازل والسقوف والمساجد.