شارك
|

آثار سورية.. رهان "إسرائيل" لتبرير وجودها

تاريخ النشر : 2015-11-12

تقرير: نسرين ترك

 تضج وسائل الإعلام بأخبارعمليات التدمير الكبيرة التي ينفذها تنظيم "داعش" الإرهابي للمعالم التراثية والحضارية في مدينة تدمر التي سيطر عليها في 20 أيار الماضي، وكان آخر سلسلة هذه الجرائم ماقام به التنظيم المتطرف من نسف لقوس النصرالأثري الذي يُعتبر علامة مميزة لوجه تدمر المعماري، وذلك بعد تدمير معبد "بل" ومعبد "بعل شمسين" والمدافن الأثرية في هذه المدينة المدرجة ضمن التراث العالمي للإنسانية. المشهد العراقي يتكرر الآن في سورية.. لكن ليست هذه كل الحقيقة.. فـ "داعش" يريد محو التاريخ ومن خلفه مافيات دولية ومخابرات غربية مدربة تدريباً عالياً، يستغلون الحروب ليسرقوا التاريخ بعد تدمير البشر والحجر. وحينما يسطو هؤلاء اللصوص على آثار سورية بهذا النحو السافر، وحينما يكون هذا التراث في خدمة "إسرائيل"، فإن ذلك ينطوي على أبعاد استراتيجية مرعبة، فـ "إسرائيل" لم تجد حتى اليوم ما يثبت تاريخها المزور، فتسرق آثارنا علّها تجد دليلاً على تاريخ وجودها.. في وقت تكاثرت فيه الأدلة الواقعية على بطلان وزيف علم الآثار التوراتي، فكل المنقبين الموضوعيين لم يجدوا أثر لبني إسرائيل في المنطقة، ولم يجدوا ما يؤيد قصص التوراة، وبسبب ذلك نشأ جيل من الباحثين ممن تصدّوا للخرافات التوراتية، رغم سطوتها في مجالهم، فدفعوا ثمن ذلك غالياً، فلم يكن من باب الصدفة أبدا أن يقتل "داعش" رجل بقامة وتاريخ وعراقة خالد الأسعد حارس كنوز تدمر، و"إسرائيل" وحلفاؤها منذ غزو فلسطين والعراق وضعوا لوائح سوداء بأسماء علماء قتلوا الكثير منهم. الكاتب والصحفي حسن م.يوسف طرح نموذجاً من خلال فيلمه "رؤيا لصلاح الدين" الذي أنتجه وأخرجه نجدة أنزور، يُظهر صور وثائقية لجنود أمريكيين يحطمون باب متحف بغداد بالمطارق، في حين كان جنود آخرون يسرقون التحف التي يريدونها، فهم يقدمون جزء من المشهد وهو تحطيم المتحف بغوغاء بينما كل ما له قيمة يسرقونه، وهذا ما تفعله "داعش" اليوم.

 

ويرى الكاتب حسن م.يوسف أنّ المزادات العالمية مليئة بهذه التحف، والهدف من هذه العملية التغطية على سرقة الآثار العربية، والرابح الوحيد هو "إسرائيل".. التي تسعى دائما لإعادة قراءة التاريخ وتحويره، وكثيراُ ما نُقد "علم الآثار التوراتي" خاصة من علماء إسرائيليين. وقال م.يوسف: "لديّ إثباتات سبق أن نشرتها توضح أن عالم آثار إسرائيلي يقول إن كل التنقيبات الأثرية التي جرت في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تثبت أن كتاب التوراة هو كتاب ديني فقط ولاعلاقة له بالتاريخ"، والكاتب البريطاني "كيث وايتلام" وهو من المؤرخين الجدد الذين يعيدون قراءة الكتاب المقدس في ضوء التنقيبات الأثرية وعنوان كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني"، ويقول إن "إسرائيل القديمة ليست سوى برهة من تاريخ فلسطين الطويل"، وحتى علماء التاريخ في فلسطين يقولون إن كتاب التوراة ليس كتاب تاريخي إنما هو فقط كتاب ديني لا علاقة له بالتاريخ.

 

كما أضاف: "هذا الغزو لم يبدأ الآن إنما بدأ منذ قرون، ففي ثلاثينيات القرن الماضي، قام ألماني بنقل تحف منطقة بكاملها إلى تلك البلاد والتحف الآن موجودة في ألمانيا وفي اللوفر وفي كل متاحف العالم". وفي لمحة عن واقع بعض المعالم الأثرية في سورية، تشير المعلومات والتقارير الواردة من مدينة "أفاميا" الأثرية ، إلى أن أعمال الحفر العشوائي والتنقيب السرّي في مدينة أفاميا من قبل لصوص الآثار ما زالت مستمرة وتؤدي إلى مزيد من التخريب. كما وصلت أعمال التخريب فيها إلى المسرح الروماني المواجه للقلعة، والخطورة الكبرى تكمن في التنقيب السرّي ودورعصابات الآثار في تخريب أفاميا، فالمدينة الأثرية في أفاميا تقع في المنطقة الفاصلة بين قوات الجيش العربي السوري التي تتمركز جنوب البوابة الجنوبية، وبين العصابات المسلحة المتطرفة التي تسيطر على البوابة الشمالية فيها. هذا الحال الذي يستمر منذ عامين خلق مساحة من الفلتان الأمني في المدينة ليعبث لصوص الآثار بكثافة. كما تابعت عصابات تهريب الآثار أعمال الحفر عند البوابة الشرقية لموقع "قصر ابن وردان" الذي يعود إلى العصر البيزنطي. وتستمر مجموعات من لصوص الآثار عملها في موقع "الأندرين" الذي يقع إلى الشرق من مدينة حماة ، فقاموا بسرقة الأحجار والأعمدة والسواكف والتيجان من الموقع، إضافة إلى قيامهم بأعمال حفر عشوائية لاستخراج الأحجار والقطع الأثرية ونقلها وبيعها، ما أدى إلى إلحاق مزيد من التدمير في الموقع المذكور.

 

وأمام هذه الصورة السوداء وصمت المجتمع الدولي المخزي يبقى الأمل معلقاً الآن على الجيش السوري، لحماية ما تبقى من آثار في "تدمر" لؤلؤة البادية وباقي المناطق الأثرية في سورية.


عدد القراءات: 13070