شارك
|

"ظل" .. في تجربة فريدة تجمع بين الرقص و الموسيقا

تاريخ النشر : 2016-10-08

خاص - سارا سلامة


إن الشعوب التي لا تملك ثقافة فنية موسيقية هي شعوب متأخرة عن الحضارة ، لذا قيل: "اذا أردت التعرف على مستوى شعب ما فأستمع الى موسيقاه".


"ظِلّ" عمل على تقديم تجربة جديدة من نوعها في سورية تجمع بين لغتين عالميتين هما "الموسيقا" و"الرقص" أي "الموسيقا البصرية"، فالموسيقى غذاء الروح، بينما يعتبر الرقص فنا وشكلا من أشكال الاتصال إذ تستخدم فيه لغة غير لفظية من خلال الحركات والإيماءات الجسدية، ويشكل اجتماعهما أي "الموسيقى" مع "الرقص" شكلاً من أشكال التعبير.


وجاء ذلك نتيجة تعاون وشراكة إبداعية حقيقية بين الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة بقيادة الفنان "عدنان فتح الله"، وفرقة "anima" للرقص التعبيري بقيادة المدرب والمصمم "محمد شباط".


فمن رحم الحرب ولدوّا ،غنوا ،عزفوا ، أبوا أن يستسلموا وبهذه الحماسة صنعوا وابتكروا أفكارا جديدة ومعاصرة، ليرتقوا بالمتلقي السوري ويقدموا له كل ما هو جديد وجدير بالاهتمام والتقدير، وكان العرض بمثابة لوحة فنية رائعة، متضمناً 10مقطوعات موسيقية ، خمس منها مع لوحات راقصة والأخرى كانت عرضا موسيقيا فقط.


وعن طريقة التنسيق والتناغم في الحفل لاسيما بين الموسيقا والرقص يتحدّث لنا الفنان عدنان فتح الله قائلا: " دعانا المركز الوطني للفنون البصريّة لإقامة حفل من قبل الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة، وهو الحفل الثاني الذي يقام على خشبة مسرح هذا المركز، وكان الحفل الأوّل خاصّا في افتتاح المسرح الذي حمل عرضاً لصور متعددة من المعارض الفنيّة والتشكيليّة المقامة في المركز الوطني للفنون البصريّة، مع عرضٍ لفيديو توثيقي يتحدّث عن هذا الحدث وأهميّته.


من الملاحظ أن طبيعة الأعمال الفنيّة التي تقدّم هنا في المركز الوطني للفنون البصريّة لها طابع سمعي بصري، وبعد تلقي الدعوة بمدّة التقيتُ بالأستاذ "محمد شباط" وولدت هذه الفكرة، بأن تقدّم الموسيقا بعزفٍ مباشر، ويقدّم الرقص المرافق لها على المسرح، وأمام الجمهور، ولكن بتقنيّة جديدة هي تقنيّة خيال الظلّ الجديدة، واعتقد أن الخيال والظلّ والعرض على المسرح هو مسألة مألوفة لدى الجمهور السوري، منذ أيّام عواص وكركوز، ولكن التقنيّة التي تقدّم اليوم فيها لوحات الرقص هي الجديدة، ولأوّل مرّة تستخدم في سورية، وهناك صعوبة فيها بسبب الرقص في مساحة ضيقة، كي يأخذ الضوء مهمّته في إخراج الصورة للمشاهد، وكذلك كي تظهر الحركات التي يقدّمها الراقص بأدق تفصيلاتها بالنسبة للمشاهد".


"ما يميّز هذا العمل – اضاف الفنان فتح الله - أن فرقة " anima" للرقص التعبيري تقدّم لوحاتها على أنغام موسيقا سوريّة من الأعمال التي قدّمتها الفرقة الوطنيّة، وقد تحدّثنا مراراً أن هذا الأمر هو أحد أهداف الفرقة التي تعنيها، أيّ تقديم أعمال موسيقيّة سوريّة للمتلقي، لإغناء المكتبة الموسيقيّة السوريّة، وهنا أوجّه شكري لوزارة الثقافة ودار الأسد للثقافة والفنون التي تحتضن الفرقة كلّ شهرين لتقديم أعمالها، وهذا الاحتضان هو ما يشكّل الحافز للشباب الموسيقيين ليكتبوا أعمالاً جديدة نقدّمها في دار الأوبرا".


وأتت مشاركة الفنانة ليندا بيطار خجولة في الحفل من خلال مجموعة من الآهات في مقطوعة "الموؤدة" للفنان محمد عثمان" مع لوحة راقصة، لكن بالرغم من صغر مشاركتها إلا أنها حملت الكثير من الشجن والعنفوان بصوتها ذو الاحساس العالي وتقول ليندا عن حضورها  : "لمشاركتي في حفل "ظلّ" خصوصيّة، فعندما اقترح عليّ الأستاذ عدنان فتح الله الظهور في قطعة واحدة؛ وافقت دون تردد، فالمشروع مهمّ، وأنا رغبت في المساهمة معهم، مهما كانت مساحة الظهور، والشارة التي عُزفت للموسيقي الأستاذ "محمد عثمان" من الشارات التي أحببتها كثيراً، وقد وضعت صوتي على هذه المقطوعة في الاستديو سابقاً، وبعد زيارتي للبروفات في المركز الوطني للفنون البصريّة لمست جمال ما يُقدم على المسرح، ولمست الغرابة أيضاً، ولذلك قررت الحضور والمشاركة، فهناك خصوصيّة في العمل، ومن الواضح أن هناك جهوداً متظافرةً لخلق هذا العمل، فلنقدّم جميعنا، على الرغم من كلّ الظروف القاسية، كلّ ما نملك من فكر، وثقافة، ووعي، وجمال، وقوّة".


والأكثر إثارة في الحفل كان من خلال تقديم" الزيني بركات" تأليف عمار الشريعي وإعداد كمال سكيكر والتي تعتبر بمثابة تكريم صغير لعطائه الكبير في الموسيقا العربية.
هذا و لم تغب معلولا مدينة الحب والسلام من أعمال فتح الله فتخلل العرض موسيقى آرامية من معلولا، ومقطوعة بعنوان "الباشا" تأليف رائد جورج، و"سحر الشرق"  لكمال سكيكر ،و "اداجيو" وغيرها ..


أما عن انطلاقة فرقة "anima" وقدرتها على محاكاة الموسيقا من خلال  الرقص في لوحة فنية متناغمة، وعلى طريقة "الظل" باعتبارها التجربة الأولى في سورية يحدثنا الأستاذ "محمد شباط" المدرب والمصمم لفرقة" anima": "في هذا الحفل "ظلّ" تنطلق الفرقة الجديدة "أنيما غروب دانس"، وقد حاولت أن أترجم اللوحات التي قدّمها لنا المايسترو عدنان فتح الله إلى لوحاتٍ راقصة، من خلف شاشة الظلّ، وهي تجربة جديدة تقدّم لأوّل مرّة في سوريّة، وقد اجتهدنا عليها جيّداً، ولا أخفيك أن الخوف شعور مرافق للعمل، بالإضافة للشعور بمتعة العمل والتحضير للعرض الأوّل، وأتمنى أن تحبّ الناس ما قدّمناه.


أريد ان أوضّح أكثر عن هذه التقنيّة "خيال الظلّ" وفيها لا يظهر الراقص بجسده على المسرح بل يظهر ظلّه فقط، لأنه يرقص وراء الشاشة البيضاء الظاهرة على المسرح، ويكون هناك ضوءٌ مُسقط عليها، والرقص فقط يكون ضمن مساحة الضوء هذه، ليظهر الخيال على الشاشة كبيراً أو صغيراً تبعاً للاقتراب من منبع الضوء أو الابتعاد عنه.


في هذه التجربة تكمن الصعوبة بأن الرقص يكون فقط في متر ونصف لا أكثر فالمساحة كانت ضيقة، وقد رسمت على الأرض عدّة إشارات، لنواجه هذه المسألة، فيعرف كلّ راقص مكانه في كلّ لوحة يشارك فيها، والتقنيّة خطرة وسهلة معنا، وتعتمد كيف يتجه الراقص إلى الراقص الآخر، وكيف سيتحركا معاً، وكيف سيظهر جزء من الجسم، وإخفاء الآخر، وفي النهاية التقنيّة تحتاج إلى فلسفة حركيّة مع الموسيقا المقدّمة، وتحتاج إدراكاً في كيفيّة إظهار الظلّ للمتلقي دون تشويّه في هذا الظلّ".


وفي نهاية الحفل قدّم الدكتور غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصريّة الشكر من خلال كلمة موجزة على المسرح، وجه فيها التحية للجمهور شاكراً حضورهم وذوقهم الرفيع وكذلك شكر الفرقة الوطنيّة بقيادة "عدنان فتح الله" وفرقة أنيما للرقص التعبيري بقيادة "محمد شباط.


عدد القراءات: 9596

اخر الأخبار