ولد الشاعر سليمان العيسى سنة( 1921 ) في قرية النعيرية، قرب أنطاكية بلواء الاسكندرونة في سورية، تلقى تعليمه في القرية وأنطاكية وحماة ودمشق، وتخرج في دار المعلمين العليا ببغداد، عمل مدرساً في حلب وموجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية.
وشعره الغزير يدور في معظمه حول المواضيع الوطنية والقومية، والطفولة التي رأى فيها الملجأ الأخير لآمال الأمة العربية. فهو قد كرس جزءاً كبيراً من قصائده للطفل، ولا سيما للطفل العربي.
ويبين في مقدمة مجموعته الشعرية الكاملة "غنّوا يا أطفال" رؤيته لشعر الأطفال ويقدم أسباب اهتمامه بهم. و قد أجاب حين سئل "لماذا تكتب للصغار؟" قائلا: "لأنهم فرح الحياة ومجدها الحقيقي، لأنهم المستقبل، لأنهم الشباب الذي سيملأ الساحة غداً أو بعد غد، لأنهم امتدادي وامتدادك في هذه الأرض، لأنهم النبات الذي تبحث عنه أرضنا العربية لتعود إليها دورتها الدموية التي تعطلت ألف عام، وعروبتها التي جفت ألف عام.. إنني أكتب للصغار لأسليهم، ربّما كانت أية لعبة أو كرة أجْدى وأنفع في هذا المجال، إنني أنقل إليهم تجربتي القومية... تجربتي الإنسانية.. تجربتي النفسية... أنقل إليهم همومي وأحلامي".
لهذا فالقصائد التي كتبها سليمان العيسى للأطفال ليست مجرد أدب للترفيه؛ فهي تحتوي على أبعاد أخرى يهدف الشاعر من خلالها إلى المساهمة في وضع أساس يقوم عليه التكوين العقلي والعاطفي للأطفال و الشباب، وتنمية مداركهم وخيالهم، وكذلك الإحساس بالجمال لديهم. وقد ضمن سليمان العيسى عددا كبيرا من تلك القصائد واحداً من أشهر دواوينه:
"ديوان الأطفال" الذي يحفظ كثير من الأطفال العرب بعض قصائده.
في هذا الديوان يخاطب الشاعرالطفولة بقيثارة الطهر والبراءة، وهمسات الوفاء والحب. كما أنه حرص فيه على استخدام اللفظة الرشيقة والسهلة، والموحية الخفيفة، ذات الإيقاع السريع الذي جعل من تلك القصائد أناشيد: "أنتِ نشيدي عيدكِ عيدي* بسمـة أمّي سرُّ وجودي". وبالإضافة إلى ذلك، أعطا سليمان العيسى في قصائده اهتماما بالصورة الشعرية الجميلة التي يسهل ترسيخها في ذهن الطفل، والتي يستقيها الشاعر عادة من واقع الأطفال، أو من أحلامهم وآمالهم. "أنا عصفور مـلء الدار* قبـلة ماما ضوء نهاري* من زهرة واحدة لا يصنع الربيع* تساندي تساندي يا وحدة السواعد" .
وكما غنى سليمان العيسى للعرب الصغار بقيثارة الطهر والبراءة والأمل، عزف للكبار سيمفونية البطولة والكفاح والفداء، وذكرهم بما حققه أجدادهم من تضحيات وانتصارات، ودعاهم إلى المقاومة والانتفاضة ورفض الاستعمار والهزيمة واليأس والتطبيع. وقد كان سليمان العيسى - كما يقول عبد الله أبو هيف-، سباقاً إلى الاستجابات المباشرة للعمليات الفدائية وتوثيقها وتخليدها في الذاكرة مثلما فعل في مسرحيته (قنبلة وجسد) التي بناها على حادثة الفدائي العربي عرفان عبد الله الذي سقطت منه قنبلة يدوية وهو يبتاع الطعام لرفاقه في عمان، فصاح بالناس ليبتعدوا وارتمى فوق القنبلة فغطاها بجسده كي لا تؤذي أحداً. وقد أصبحت هذه المسرحية رمزاً لفعل الفداء والتضحية، ونشيداً لتكريم الشهادة والشهداء. إلى جانب ذلك، ظل سليمان العيسى الذي تجاوز عمره الثمانين، والذي سجنته سلطات الاحتلال الفرنسية في شبابه بسبب مواقفه المعادية للانتداب، يناضل بالكلمة من أجل تحقيق الوحدة العربية حتى وفاته عام (9 /اب/ 2013 ).
كتب عدداً من القصائد التي تجسد معاناة الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته ضد الأطماع الصهيونية والعنصرية التي لم تكف عن الفتك بأرواح الأبرياء وتدنيس الأراضي والمقدسات العربية والإسلامية.
صدر له عشرات الكتب والمسرحيات الشعرية، ومن كتبه:
«شاعر بين الجدران» 1954،
«قصائد عربية» 1959،
«أمواج بلا شاطئ» 1961،
«رسائل مؤرقة» 1962،
«أزهار الضياع» 1963،
«دفتر النثر» 1981
«الكتابة أرق» 1982.
وسواها من كتب شعرية كثيرة افتتحها بـ«مع الفجر» في أول الخمسينات من القرن الماضي. ثم ديوانه «أعاصير في السلاسل».
أما توجهه الناقد الثوري فقد خطه في «رمال عطشى» عام 1960، حيث ضمّنه نقداً وسخطاً على ما آلت إليه أمته.