شارك
|

كنيسة أم الزنار...اللؤلؤ المنثور في تاريخ عريق يتألق في مدينة حمص

تاريخ النشر : 2023-09-21

تمتاز سورية بغنى المواقع الأثرية الدينية القديمة، حيث تحتل موقعا سياحيا دينيا مهما لجميع أتباع الديانات السماوية، وهي مقصد للسياح من كل بقاع الأرض. ومن هذه المواقع الهامة كنيسة أم الزنار...

 


أم الزنار: كنيسة تاريخية أثرية حيث تعد من أقدم كنائس العالم. بنيت في القرن الأول للميلاد بعد وفاة السيدة العذراء بحوالي ثلاث سنوات، بناها القديس إيليا أحد تلامذة السيد المسيح في أواسط القرن الميلادي الأول تحت سطح الأرض، لتسهيل التعبد السري لأتباع الديانة الجديدة، حماية لهم من البطش الذي لاقاه معتنقوها على أيدي الإمبراطورية الرومانية آنذاك.

 


تقع الكنيسة في محافظة حمص السورية وتحديدا في منطقة الحميدية وقد سميت بأم الزنار بسبب وجود الذخيرة الأقدم للسيدة العذراء (الزنار) في العالم، وهو زنار حقيقي لثوب مريم العذراء تم حفظه في الكنيسة القديمة الواقعة في حي الحميدية بمدينة حمص القديمة.

 


كانت الكنيسة في أواسط القرن العشرين مقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغدت بعد انتقال الكرسي البطريركي إلى دمشق العاصمة مقر أبرشية حمص وحماه للسريان الأرثوذكس.

 


هذا المكان يتمتع بأهمية كبيرة نظرا للمكانة الدينية والسياحية أولا، وثانيا لموقعها في نفوس رعاياها ولدى أبناء سائر الطوائف المسيحية الأخرى، ولدورها المهم الذي لعبته أثناء الحرب في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، والتخفيف من معاناتهم إبان الحرب وبعدها.

 


قصة الزنار الذهبي الموجود في كنيسة أم الزنار


تعود قصة الزنار الذهبي إلى رؤيا القديس توما بعد وفاة السيدة العذراء بثلاثة أيام حيث رآها محمولة في موكب ملائكي عجيب صاعدة إلى السماء فتبارك بالجسد الطاهر وطلب علامة، ليبين لأخوته التلاميذ، حقيقة صعود العذراء إلى السماء، فأعطوه "الزنار المقدس"، فحمل الزنار حتى وفاته حيث دفن الزنار مع رفاته، ونقل بعدها إلى مدينة حمص سنة 476م.

 


وفي رواية أخرى وفقا لمدونات مسيحية يقال إن الرسل جنزوا السيدة العذراء بعد وفاتها ثم حملت الملائكة جسدها الطاهر إلى السماء ووقتها كان القديس توما في الهند يبشر بالدين المسيحي ولم يكن موجودا مع الرسل حين جنزّوا والدة المسيح فطلب القديس المؤمن دليلا على حمل الملائكة رفات مريم ، فحصل على زّنارها المقدس. احتفظ القديس بالزنار، وبقي مع رفاته في قبر في الهند.

 

 

ثم نقل رفات توما والزنّار من الهند إلى الرها في نهاية القرن الرابع للميلاد. وبعد مئة عام تقريبا، افترق الزنّار المقدس عن القديس توما. وتخبر المدونات القديمة إنه وُجد مع رفات مار باسوس، وهو قديس سرياني استشهد وأخته مارت شوشان، وطائفة من المسيحيين، على يد أبيهم غير المؤمن "أبا زرد".

 


لا تفسر المدونات القديمة كيف انتقل الزّنار المقدس من القديس توما إلى القديس مار باسوس، لكنها تلقي الضوء على الاضطهاد الذي تعرّض له المؤمنون. ولا تفسر، أيضا، لِمَ تمّ نقل رفات مار باسوس من طور عابدين إلى حمص، وتحديدا إلى الكنيسة المسماة بلقب السيدة العذراء أمّ الزنار.

 


بعد ألفي عام تقريبا، وتحديدا في عام 1953، كان الحبر الأعظم بطريرك السريان الأورثوذكس أغناطيوس إفرام يقرأ في وثائق قديمة، دلّته على مكان في الكنيسة، يحتضن زنّار السيدة العذراء. وهكذا وُجد زّنار مريم، وصار غاية تُقصد، ويُحجّ إليه من قبل المؤمنين، من شتى البقاع.

 

 

وفي رواية ثالثة يقال إن القديس توما نقل الزنار إلى الهند وبقي هناك وبعدها نقل إلى مدينة الرها مع رفات القديس ومنها إلى حمص سنة 476م حيث أن الأب داوود الطورعابديني قدم إلى الكنيسة في طريقه إلى القدس، ومعه الزنار وبسبب مرض ألم به منعه من إكمال رحلته، وحفظ الزنار في الكنيسة التي تلقبت نسبة له.

 


إن اكتشاف الزنار الذهبي جاء من قبل البطريركية اعتمادا على وثائق خفية عثرت عليها، وقد أشرف عليها البطريرك إفرام برصوم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وتم الكشف عن الزنار في سنة 1953م وقد وجد في علبة أسطوانية من الفضة المتأكسدة كانت في جرن ضمن مذبح الكنيسة، وهو منسوج بخيوط الصوف والحرير وموشى بالذهب. وهو محفوظ حاليا في الأبرشية ولا يتم إخراجه إلا في عيد انتقال العذراء من كل عام.

 


الوصف المعماري لكنيسة أم الزنار

 


من الجدير بالذكر هو أن كنيسة أم الزنار الأصلية توجد تحت أرض كاتدرائية السيدة العذراء بمسافة 7 أمتار تقريبا ويوجد بقربها نبع ماء يصل لعمق 20 متر حيث كانت أشبه بقبو موجود تحت الأرض تتم فيه طقوس العبادة المسيحية سرا بسبب خوف المسيحيين الأوائل من بطش الحكم الروماني الوثني.

 


يعود تاريخ تشييدها إلى عام 59م ويلحق بها مزار خاص يعرض فيه زنار العذراء الذهبي.

 


تشتهر الكنيسة بنمطها المعماري الفريد وقد استخدم الحجر البازلتي الأسود في بنائها. وقد تمّ في الكنيسة عدة عمليات ترميم أكبرها أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم عام 1953 أيام البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم.

 

 

والكنيسة الآن مقر المطرانية السريانية ومركز حج هام لكثير من الزوار المؤمنين، ومؤخراً تم التعاون بين المطرانية ووزارة السياحة السورية لإجراء دراسة أثرية حيث تم الاتفاق على إقامة جدران استنادية وإكمال أعمال الحفر والترميم وما زال المشروع قيد التنفيذ.

 

 

التاريخ القديم لكنيسة أم الزنار


يعود تاريخ تشييد الكنيسة لعام 59 على يد إيليا أحد تلامذة السيد المسيح وقد كانت أشبه بقبو تتم العبادة فيه سرا خوفا من بطش واضطهاد الحكم الروماني الوثني وقد كان هذا القبو يتسع لحوالي 30 مصليا ولم يكن يضم أي علامة تدل على أن هذا المكان كنيسة فالإيمان المسيحي كان سريا ولم يكن متاحا إشهار أي علامة أو رمز ديني. وبعد أن أصبحت حمص مقر أبرشيّة أقام فيها أول أساقفتها سلوانس قرابة الأربعة عقود حتى وفاته عام 312.

 


وعقب انتشار الديانة المسيحية، بنيت كنيسة من الحجر الأسود، مارس فيها المصلون شعائرهم الدينية، ثم ردموها وبنوا الكنيسة الحالية الضخمة التي تتسع لـ 500 مصل.

 


حيث بدأ مسيحيو حمص بتشييد كنيسة كبيرة فوق الكنيسة القديمة الموجودة تحت الأرض وذلك بعد صدور ميلانو عام 313و استعملوا في بنائها الحجر الحمصي الأسود، وسَقفوا الكنيسة بالخشب وإليها نُقل الزنار المقدس الذي كان محفوظاً بوعاء معدني وضمن جرن بازلتي، أما عمود الجرس أو الجرسيّة فقد بنيت في القرن السادس.

 


وفي عام 1852 قام المطران يوليوس بطرس بترميم الكنيسة، فردم السقف الخشبي وبعض الجدران، وشيدوا الكنيسة الحالية القائمة على ستة عشر عامودا ضخما منها ثمانية أعمدة وسط الكنيسة والباقي ضمن جدرانها، وشيدوا في وسطها قبة نصف أسطوانية مزخرفة.

 


أما الزنار فقد وضع ضمن جرن بازلتي في وسط المذبح، ووضعوا فوقه حجرا ونقشوا عليه بالخط الكرشوني تاريخ تجديد الكنيسة وأسماء المتبرعين، وذكروا أنَّ الكنيسة تَرجع لعام 59. وفي عام 1901 أضيف للكنيسة الجرسيَّة الحالية، وفي عام 1910 وبأمر من السلطان العثماني محمد الخامس جددت الكنيسة.

 

 

وفي عام 1953 وخلال حبرية البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم تم إخراج الزنار من وسط المذبح، وعرضه في مزار صغير مجاور للكنيسة.

 


وفي عام 1954 قام البطريرك أفرام الأول برصوم بتوسيع الكنيسة لجهة الغرب وإضافة جناح لها.

 


ولما كانت المنطقة التي تحوي الكنيسة، قد شهدت عدة اضطرابات منذ بداية الأحداث السورية عام 2011. فقد تم وفقا للأب طوني حنا إفراغ الكنيسة مؤقتا من محتوياتها قبل أن تعود لها الحياة بعد عام 2014م .

 

 

وحتى خمسينيات القرن العشرين، كانت "أم الزنار" مقرا لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وبعد انتقال الكرسي البطريركي إلى دمشق العاصمة، باتت مقرا لأبرشية حمص وحماه وطرطوس، لتقوم مطرانيتها منذ مطلع القرن الحالي، على ترميم القسم التحت أرضي من الكنيسة بإشراف مهندسين سوريين مختصين، تمهيدا لافتتاحها أمام السياح والمؤمنين من كافة أنحاء العالم.

 


حيث تشهد حشودا ضخمة من كل أنحاء العالم نظرا للرمزية الكبيرة لزنار العذراء في قصة الانتقال.

 


وكشف الأب خزعل كاهن الكنيسة عن "أن العمل جار لإقامة مقام خاص بـ (الزنار)، ليصبح محجاً للمسحيين والمسلمين، تبعا للقيمة التاريخية للكنيسة، ولوجود أقدم ذخيرة للسيدة العذراء (الزنار) في العالم"، مضيفاً: "توجد أفكار أخرى للمقام، وسيتم تجهيز الكنيسة القديمة بمدخل مستقل بحيث يقوم الزائر بالتبرك من "الزنار"، ومن ثم الكنيسة القديمة، ليخرج من الجهة الأخرى حيث الكنيسة الجديدة".

 

 

يؤكد كاهن كنيسة أم الزنار أن "أرض سورية مقدسة، لما أعطيت من كل شعوب العالم، وما أعطته للعالم، خاصة أن انطلاق المسيحية كان من أنطاكية السورية، لذلك نجد فيها الكثير من دور العبادة"، مستشهدا على ذلك بالقول: "في أيام الحكم الروماني وعدم السماح باعتناق الديانة المسيحية، كانت تقام الكنائس تحت سطح الأرض، و بعد مرسوم (ميلانو) واكتشاف خشبة الصليب عام 325 ميلادي، وقيام الملك قسطنطين بإقرار حرية الأديان في الإمبراطورية الرومانية، بدأ المهندسون السوريون (السريان) بناء كنائس غاية في الروعة، مثل دير سمعان العامودي، ودير مار إليان، وموسى الحبشي، وكنسية أم الزنار، وأيضا الجامع الأموي بدمشق الذي كان كنيسة، و كذلك الجامع الكبير في حمص القديمة".

 


ويختتم الأب خزعل حديثه بأن سورية هي مهد الحضارات والديانات السماوية وأم الشهداء، وهي أرض مقدسة لكل الديانات السماوية. فهي تتوسط العالم ومنها انطلقت الحضارات والديانات، كما أنها احتضت ولادة الأحرف الأبجدية الأولى وما يعنيه ذلك من بدء تدوين التاريخ بكافة أنساقه.

 

   رزان محمد

 

 



 


عدد القراءات: 4878