منذ ثمانين عامأ بقيت عائلة الأزرق أحد أشهر صانعي الحلويات والشوكولا الفاخر في مدينة حلب، حيث أصبح اسم العائلة رديفاً لهذه المهنة فهم خير سفراء للذوق الرفيع و الطعم الأصيل.
خلال زيارتكم لمتجر الأزرق في مدينة حلب سيلفت نظركم الأثاث الخشبي القديم المنتشر داخل المتجر وهنا يتوقف الزمن ليعود بنا بالذاكرة إلى حقبة الخمسينات ويذكرنا بنمط متاجر شارع بارون وأمجاده الذي كان يوماَ من الأيام أهم شوارع حلب و ملتقى النخبة الثقافية والسياسية لأبناء الشهباء، خلال تجوالك في متجر الأزرق يطغى على المكان رائحة عجينة اللوز الذكية التي بفوح عطرها ويملئ الشارع بأكمله حيث اشتهر الأزرق بصناعتها وتميزت منتوجاته بطعم لا مثيل له، وكانت تقدم في المناسبات الهامة والأعراس وعرفت باسم أصابع اللوز أو كعك بلوز أو المارصبان و نالت شهرة واسعة تجاوزت حدود حلب وسورية.
كيف كانت البداية؟
البداية كانت من حلب عام 1935 م عندما قرر السيد غفريل أزرق إفتتاح محله الخاص في منطقة العزيزية (مقابل مشفى ألتونيان), بعد أن كان أحد تلاميذ السيد ميشيل غزال (جده) أشهر صانعي الحلويات في مدينة حلب في ذلك الوقت إحترف غفريل هذه المهنة لا بل استطاع التفوق على أُستاذه و تطوير أسرار هذه المهنة وإضافة عناصر جديدة بالتعاون مع إخوته (هنري , إدمون , ألبير و جان).
توسيع المهنة ...!
عام 1948 م قرر السيد غفريل توسيع أعمال العائلة و دخول السوق اللبنانية بعد النجاح الكبير الذي حققه في مدينة حلب، و فعلاً استطاع فرض اسم الأزرق كأحد أهم صانعي الحلويات في مدينة بيروت، حيث أخذت منتجات الأزرق تنال شهرة في الأوساط البيروتية، حيث افتتحت عائلة الأزرق ثلاث متاجر في العاصمة اللبنانية بيروت.
الأول في منطقة القنطاري، الثاني في شارع الحمرا الشهير والثالث في منطقة بدارو ليكون قريبا من الجالية الحلبية التي استوطنت منطقة بدارو (حديثة العهد) خاصة بعد أحداث التأميم في سوريا في الستينات حيث هاجرت العديد من العائلات الحلبية مدينة حلب و استقرت في بيروت المنفتحة اقتصادياً, لدرجة أن أحد شوارع منطقة بدارو عرف بشارع (الواخ واخ) كنوع من المزاح من قبل الإخوة اللبنانيين تجاه أقرانهم الحلبيين.
استلم كلاً من الأخوة الثلاثة (غفريل ،إدمون، و ألبير ) إدارة متاجر بيروت بينما الإخوة (هنري و جان) استلما إدارة متجر حلب حيث انتقلا إلى متجر جديد يقع في شارع فرعي مجاور للمتجر القديم و أصبح يعرف الشارع باسم شارع الأزرق و لاحقاً تم توسيع المتجر ليضم متجرين متجاورين بالإضافة إلى المطبخ حيث يتم إعداد المواد الأولية و النصف مصنعة في حلب و من ثم تصديرها إلى لبنان، من الحلويات و المنتجات التي اشتهر الأزرق بصناعتها إلى جانب عجينة اللوز، الغريبة اسطنبولية، المارينغا، العرموش ، الراحة، الشوكولا بأنواعه و البوظة.
بالنسبة إلى متاجر بيروت بقي الوضع مستقراً حتى بداية الحرب الأهلية في لبنان حيث إضطرت العائلة لإغلاق متاجر بيروت باستثناء متجر بدارو الذي ظل قائماً, الحرب لم تمنع الأزرق من متابعة عملهم , حيث قرروا الانتقال إلى الجبل (الأمن نسبياً خلال فترة الحرب) حيث افتتحوا متجراً جديداً في بلدة بعبدات الجبلية و لازال قائما حتى يومنا هذا و هو بإدارة أبناء غفريل.
دخول السوق الفرنسية والكندية ..
لاحقا في التسعينات قرر السيد روبير (ابن غفريل) بعد دراسته و تخصصه في فن صناعة الحلويات في فرنسا، دخول السوق الفرنسية و كانت فرصة لتعريف الفرنسيين على هذه الحلويات الحلبية المزدانة بالفستق الحلبي, حيث افتتح متجرين متجاورين أحدهما للحلويات و الأخر للمعجنات في عاصمة الأنوار باريس ضمن إحدى أبنيتها الأثرية المميزة.
لاحقا افتتح السيد ألبير متجرا جديدا لعائلة أزرق في مدينة مون ريال في كندا، بعد إغلاق متجر بدارو نظرا للظروف الأمنية المضطربة في الشرق عموما و لبنان خاصة، حيث كندا غدت بلداً واعداً بمستقبل أمن و ذات حضور كثيف للجالية اللبنانية و حديثا الجالية السورية خاصة الحلبية منها, متيحاً الفرصة للمغتربين بتذكيرهم برائحة بلادهم ونفحات من تراثهم المشرقي الأصيل و الموغل في القدم.
حلب دوما فخورة بأبنائها أينما كانوا و مهما طال غيابهم عنها فهي في قلبهم و وجدانهم.