قلعة المرقب
حصن منيع مهيب يقع شرق مدينة بانياس على بعد 5 كم من الساحل السوري في منطقة بانياس في محافظة طرطوس في سورية.
تتوضع على هضبة صخرية بركانية فوق قمّة تلّة على ارتفاع 370 م فوق سطح البحر، مما أكسبها موقعاً منيعاً جعلها تتحكم بالساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط لفترة طويلة من الزمن، ومشرفة على كل ما حولها، وهذا ربما كان سبب تسميتها من قبل العرب بـ"المرقب"، كما سماها اليونانيون "ماركابوس"، والبيزنطيون "مارغانت"، واللاتين "مارغات".
قام ببنائها العرب المسلمون، ثم استولى عليها البيزنطيون قبل أن يتناوب عليها العرب والفرنجة في مراحل تاريخية متعددة، ومازالت محافظة على آثارها المهيبة والتي تظهر لنا الأدوار التاريخية العظيمة التي لعبتها.
تشرف من الشرق على جبال اللاذقية ، ومن الغرب على مدينة بانياس والبحر الأبيض المتوسط ، وتحيط بها الجبال والغابات ويحيط بها خندق ضخم يمرعبره درج قائم فوق جسر إلى المدخل الرئيسي للقلعة.
تاريخ قلعة المرقب
يعود بناء القلعة إلى عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد، وفي عام 1062م أعيد بناؤها على يد رشيد الدين الإسماعيلي، واستمرت قائمة حتى استولى عليها الصليبيون سنة 1117م واتخذوها حامية لهم ، ثم استلمها الإسبتارية سنة1186 م فأصبحت من أهم المواقع الحصينة على امتداد الساحل السوري.
وفي عام 1285م استطاع السلطان قلاوون استعادتها، وذلك بعد معارك عنيفة وحصار طويل، وقد كانت عملية تحريرها صعبة جدا، وذلك بسبب ارتفاع القلعة وموقعها المميز ومناعة أسوارها.
ومع استمرار المحاولات تم تحرير القلعة حيث قام قلاوون بحفر نفق تحت الواجهة الجنوبية، ثم قصفها بالمنجنيق حتى انهار البرج الخارجي الجنوبي المعروف ببرج الأمل، وكانت هزيمة الصليبيين نكسة كبيرة لهم خاصةً وأنهم فقدوا أهمّ موقع لهم وكان ذلك إيذاناً بانتهاء وجودهم في الشرق كلّه.
علماً أنّ صلاح الدين الأيوبي لم يستطع تحرير القلعة، وكذلك السلطان الظاهر بيبرس الذي حقّق نصراً ولكنّه لم يستطع دخولها بسبب صعوبة الوصول إليها وارتفاعها ومناعتها فكانت عصيّة على الكثيرين عبر التاريخ، وبعد تحريرها علي يد السلطان قلاوون أمر بإعادة تحصين القلعة أكثر وجعل فرقته من المماليك البحرية في حمايتها.احتفظت القلعة بنفوذها في القرنين 14-15 حيث استخدمت كسجن، وفي الفترة العثمانية تم إجراء تغييرات في القلعة لتلائم وجود الحامية العسكرية التركية والتي سكنت القلعة فترة من الزمن.
وصف قلعة المرقب
يحيط بها سوران، داخلي وخارجي ويحتوي السور الخارجي على 14 برجاً دفاعياً منيعاً، وفي داخل القلعة الكثير من المنشآت والمباني مثل قاعة الفرسان والقاعة الملكية وكنيسة تعود للقرن الثاني ومرافق وخزّانات وممرّات الأسوار والأبراج، أهمها:
- برج الأمل: يتألف من طابقين مزودين بمرامي السهام والنبال، ويقع خلف البرج الأمامي للقلعة، ويمتاز بضخامته وشدة تحصيناته والتي يمكن مقارنتها بأبراج القلاع التي شيدت في أوروبا بنفس العصر.
-برج الصبي: وهو تحصين خارجي منفصل عن القلعة، يقع بجوار البحر ويعد جزءاً مهما من دفاعات القلعة، فقد صمم بطوابقه الثلاثة لحماية المرفأ الصغير للقلعة، ولمراقبة القلعة من جهاتها الغربية والشمالية والجنوبية.
استخدمت أحجار البازلت السوداء القاسية في بنائها، كما استخدمت الحجارة الكلسية البيضاء على بعض الفتحات والمداخل، وتتألف القلعة من قسمين: قلعة داخلية تقع في الذروة الجنوبية، وهي مسورة بطبقتين من الأسوار، ويتوسطها برج مستدير الشكل يتصل من جانبيه بأبنية ذات قاعات مقنطرة، وقلعة خارجية أكبر حجماً تحتوي على الأبنية السكنية والبرج الرئيس والكنيسة، ويفصل بين القلعتين قناة مائية.
كنيسة قلعة المرقب
لايغيب الطابع الديني عن هذه القلعة العظيمة، فنجد جنوبي الساحة الرئيسة كنيسة ببناء مستطيل الشكل يُعد الأكثر ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة، لها مدخلان متشابهان شمالي وغربي، بابها مزين بأعمدة رخامية لم يبق منها إلا تيجانها الكورنثية ، يرتكز عليها قوس مؤلف من قولبات عدة متلاصقة، كما يعلو الباب ساكفٌ مستقيم "جائز علوي"، رُكبت عليه القنطرة المزخرفة.
أما بهو الكنيسة فمؤلف من ردهتين مرتفعتين، ويفصل قوس مرتكز على عمودين متوجين بين رواقي صحن الكنيسة ، بينما يتموضع هيكلها في الجهة الشرقية، وعلى جانبيه من جهة الشمال والجنوب غرفتان صغيرتان تحتويان على لوحات جدارية ذات قيمة فنية عالية.
لا تخلو روح الفن داخل تلك القلعة، فالكنيسة تحتوي على العديد من اللوحات الجدارية التي تم إنجازها في القرن الثاني عشر الميلادي، من أهمّها على الإطلاق جدارية تمثل (العشاء الأخير) وهي عبارة عن لوحة ملونة رائعة تضم 12 شخصاً تعلو رؤوسهم هالات صفراء اللون، ومن بينهم في الوسط صورة تبين (بولس الرسول)، تمثل نزول الروح القدس على تلامذة السيد المسيح، وهي من الطراز النموذجي للصور المسيحية البيزنطية المعروفة باسم "الحُلية المعمارية".
وهناك لوحة جدارية أخرى تظهر على أحد الجدران تعد أكبر لوحات العصور الوسطى، وهي عبارة عن شريط بطول 6 أمتار وارتفاع 3 أمتار، تحتوي على مشهدين، الأول يمثل جهنم والثاني يمثل الجنة! أما في الجهة الشرقية عند الهيكل تم اكتشاف لوحة تمثل مقتل القديس يوحنا.
بالقرب من القلعة معبد أثري بناه أنتيوخوس بن مينودور شيّده إكراماً لأهل بانياس وأعلاه وزوّده بالتماثيل للدلالة على آلهة العبادة في بانياس مثل جوبيتر وباخوس.
أعمال الترميم في قلعة المرقب
رممت القلعة مرات عدة ، وذلك بسبب تعرضها عبر تاريخها الطويل للعديد من الزلازل والحروب والهجمات المتكررة، مما أدى إلى هدم أجزاء منها. حيث أصلحت الأضرار الناجمة عن التدمير الذي أصاب الأبراج فدعمت وأضيف إليها أبراجا جديدة وتحصينات لتلافي نقاط الضعف التي ظهرت خلال الهجمات والأعمال العسكرية، وبعد نقل ملكيتها عام 1959 إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف نُفذت مشاريع عدة بدءاً من معالجة المشاكل الإنشائية وترميم بعض المناطق المتضررة وتكحيل الجدران، بالإضافة إلى عزل أسطح المباني للحد من تأثير العوامل الجوية عليها، وآخر الأعمال تضمن إغلاق الفتحات الخارجية للقلعة وتأمين المسارات الآمنة لحركة الزوار وإعادة بناء الأدراج الحجرية وتأهيلها وإزالة العشب والنباتات .
رزان محمد