شارك
|

قلعة الكهف...تاريخ لا يموت وجمال منحوت في قلب الصخر

تاريخ النشر : 2023-06-18


على هضبة صخرية مطلة على واد سحيق، وضمن منطقة تتوسط سلسلة الجبال الساحلية السورية في منطقة القدموس (طرطوس) تتربع قلعة ضخمة منيعة تحيط بها الجبال فتغدو شبيهة بالحصن الطبيعي، و يكسوها غطاء حراجي ألا وهي قلعة الكهف..

 

 

تمتد قلعة الكهف على مسافة 600م طولا وعرض يتجاوز 15 متر، وترتفع عن سطح البحر ما يقارب 600 م.

 

 

تبعد عن بلدة القدموس نحو 20 كم، كما تبعد عن قرية الشيخ بدر مسافة 15 كم، وتعد من القلاع النادرة التي بُنيت ونُحتت في الصخر ولذلك سُمّيت قلعة الكهف. وتعتبر من أضخم القلاع القديمة التي يصعب الوصول إليها بسبب الوديان السحقية التي تحيط بها.

 

 

تؤكد معطياتها المعمارية على وجودها في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي، وكما تفيد بأنها شهدت حروباً وأحداثاً تاريخية.

 

 

ومن الملاحظ أنه تم اختيار موقعها بعناية فائقة لكونه من المواقع المحصنة طبيعياً والأكثر وعورة مما يساعد في صد هجوم الغزاة.
وتزداد أهمية موقعها إضافة لكونه من المواقع الحصينة بأنه يمنح القلعة ميزة السيطرة على بقية القلاع المجاورة كقلعة القدموس والعليقة والخوابي ومصياف والرصافة وقلعة أبو قبيس.. وذلك لوقوعها على تلة مرتفعة وفي منطقة متوسطة وعلى أبعاد متساوية تقريباً أو متناظرة . 

 

 

وصف قلعة الكهف

 

هناك ثلاثة أبراج ترتفع فوق سور القلعة  من الجهات الشرقية والجنوبية والشمالية، فالبرج الشرقي يتقدم القلعة ويطل على قلعة القدموس من الشمال الشرقي، أما البرج الشمالي فيعلو المدخل الرئيسي ويطل من الناحية الشمالية على وادٍ سحيق، وكذلك البرج الجنوبي يطل على وادٍ سحيق جنوبي القلعة.

 



وكانت المياه تصل إلى القلعة من خلال قنوات جر طولها 2 كيلومتر تستمد مياهها من عين تُدعى عين عزيزة وتحولت التسمية اليوم إلى عين فاطمة.

 

 

وهناك مصدر ثان للمياه يعتمد تجميع مياه الأمطار على سطح القلعة وتخزينها في حفر منحوتة في الصخر ومن ثم توزيعها إلى باقي أقسام القلعة.

 



يتم الدخول إلى القلعة عبر بوابة رئيسية زالت معظم معالمها الآن، ولم يتبق منها سوى أطلال. يقع المدخل الأول في الجهة الغربية من القلعة وفتحة الباب الخارجية تتجه نحو الشمال، والدخول لسطح القلعة يتم بالاتجاه نحو الجنوب، والصعود التدريجي حتى نصل إلى البوابة الثانية فنجد أن هذه البوابة تقع في أسفل البرج الشمالي الذي يطل عليها مباشرة.

 



توجد بوابة كبيرة على سطح القلعة الملاصق للبوابة من جهة الغرب وهي منحوتة في الصخر، تضم ما يشبه الجرن عرضها من الداخل 3 أمتار وطولها نحو 6 أمتار، وعلى جانبيها مصطبتان عبارة عن مقاعد يمكن أن تكون غرفة انتظارأوغرفة مناوبة الحرس على باب القلعة.

 



والبوابة الثانية تتجه صعودا باتجاه الغرب نحو البوابة الثالثة، وعلى يمين الطريق نقشت آية الكرسي في العصر الإسلامي وعلى الجدار المواجه تظهر كتابة على أحد حجارته أيضا ذكر فيها بعض الآيات مع وضوح في ذكر التواريخ / ذو القعدة 761 هجري / أما البوابة الثالثة فقد تهدمت وضاعت معظم معالمها.

 

 

كما اكتشف بداخلها بقايا معبدين يعتقد أنهما رومانيان لكن النباتات والأحراش تغطيهما بشكل كبير جداً.

 



البنية المعمارية لقلعة الكهف

بأسلوب الأبنية في العصر الحجري نحتت القلعة  في قلب الجبل الصخري ومع إضافات تمت في عصور لاحقة وزادت من تحصينات القلعة.

 

 

الدخول إلى المكان في قلب القلعة يمثل رحلة إلى عجائب التاريخ. فهذه العمارة تشبه إلى حد بعيد العمارة الوحشية التي تتسم بقساوتها، وتعكس نفسية قاطنيها المحاربين الذين يتصفون بالقسوة والوضوح والإخلاص لعقائدهم.

 

 

وفي داخل القلعة سبع غرف منحوتة بالصخر، والدخول إلى هذه الغرف السبع صعب جدا وقد كانت إنارتها في السابق بواسطة فتحات في سقف القلعة، وضمن هذه الحجرات توجد أعمدة صخرية نحتت لتسهم في زيادة تحمل السقف للحمولات وللسقف الصخري.

 

 

كما يوجد فيها غرفة مبنية من الحجر الكلسي غير المشذب، سقفها عقدي يتم الدخول إليها عن طريق بوابة قوسية مبنية من الحجر الكلسي المنحوت قائمة على ركائز ذات أفاريز تزيينية، أرضيتها كانت مبلطة بالحجارة إلا أن يد التخريب امتدت إليها ولم يبق منها سوى بعض البلاطات.

 


جدارها الجنوبي يحتوي على فتحة قوسية مغلقة تشكل المحراب، وعلى جانبيه فتحتان جانبيتان مغلقتان، وفي أعلى المحراب قطعتان حجريتان بازلتيتان كانتا تستخدمان لتعليق الغطاء الذي يحجب المحراب مشيرا إلى أن المواصفات المذكورة تشيرأن للجامع ملحقات أخرى.


 

البوابات الثلاث في قلعة الكهف


يوجد طريق بين البوابة الأولى المتهدمة وما قبل الى البوابة الثانية بعرض مابين 2- 4م عثر فيه على الحمام، بعد إزالة الغطاء النباتي الكثيف موضحا أن الحمام يعود الى الفترة الإسلامية 572-1176 م و يتكون الحمام من الخارجي  والأوسط الأول والأوسط الثاني والداخلي والخزانات.

 

 

البوابة الثانية للقلعة المحفورة بالصخر تعلوها كتابة إسلامية تحتاج الى دراسة لعدم وضوحها، وتؤدي إلى تجويف صخري مصنع على شكل غرفة قد تكون مقرا للمجموعات المكلفة بالحراسة .
وعلى جدرانها الداخلية الصخرية توجد تزيينات قوسية كانت معدة للكتابة بالإضافة إلى تزيينات على شكل أسهم وفجوات مربعة متناظرة من أجل إحكام إغلاق الباب.

 

 

و قبل الباب وإلى اليسار قليلا يوجد حفر في الصخر كمحرس ينتهي من الأعلى بشكل قوسي تعلوه كتابة بأحرف لاتينية تحتاج للدراسة، وقد تبين  وجود بقايا كتابة عربية ضمن المحرس في الخلف وقد أزيلت بكاملها ولم يبق منها سوى حرف /ج/ بالعربية، و يقابل البوابة الثانية من الجهة الغربية للغرفة بوابة محفورة بالصخر.

 



وخلال أعمال التنقيب تم الكشف عن الدرج المنحوت بالصخر بعد إزالة الردميات حتى ارتفاع 170سم في بعض النقاط وصولا الى البوابة الثالثة وهو مكون من قسمين، الأول يأخذ اتجاه شرق غرب منحوت بالصخر بطول 18م وعدد درجاته 21 درجة وبعد هذه المسافة باتجاه الغرب تم رصف 17م.

 

 

والسبب في عملية الرصف عائد الى انخفاض الصخر الطبيعي عن المستوى المطلوب لتسهيل عملية الصعود حيث  أن القسم الثاني من الدرج المكمل للقسم الأول يأخذ اتجاه غرب مخصص لسير الخيل عليه طوله/36م/ وعدد درجاته 21 درجة، يضيق أحيانا على جانب الدرج من اليمين وفي بدايته نقشت على الصخر آية الكرسي التي تعرضت أطرافها للتهشم.

 



وعلى يسار البوابة الثالثة كتابة إسلامية في وسطها شعار دائري الشكل ومنها يتم الوصول إلى سطح القلعة التي تحتوي على معالم أثرية كثيرة وكهوف منحوتة بالصخر، وآبار مياه بالإضافة إلى وجود جامع في الجهة الغربية من البوابة الرئيسية خارج القلعة تغطيه الأشجار الكثيفة.

 



آثار قلعة الكهف

 

ومن الآثار الباقية في القلعة جامع القلعة الذي يوجد على سطح القلعة من الجهة الشرقية، لم يبق منه الكثير فهناك قاعة مسقوفة بأقبية متهدمة وهذا الجامع يقع قرب الساحة التدريبية.

وهناك أيضاً الدرج الذي يتجه نزولاً باتجاه الساحة، وقد سدت اتجاهاته وتهدم معظمه وتقول المصادر التاريخية إن هذا الدرج يقود إلى الكهف.

 


المكتشفات واللقى الأثرية في قلعة الكهف

خلال عمليات التنقيب الموسمي التي تقوم بها دائرة آثار طرطوس تم العثور على عدد من اللقى الأثرية في القلعة، وهي حسب رئيس الدائرة:


1-ثلاث قطع نقدية برونزية إحداها بيزنطية بحاجة إلى دراسة عثر عليها في الخارجي .


2- قطعة دائرية فضية مزخرفة الحواف بحاجة إلى دراسة أيضا.


3- تاج عمود نقش عليه أربعة وجوه بشرية ذات ملامح مغولية وكل وجهان متقابلان متشابهان.


4- تاج عمود يحمل زخارف هندسية قوسية.


5- قطعتان من الحجر الكلسي القاسي تحمل نحت لبوابة قوسية بداخلها نقش لحيوان الفهد.إحدى هاتين القطعتين لا تزال في القلعة تعذر نقلها والثانية الأكثر وضوحا تم نقلها إلى متحف طرطوس إضافة إلى جزء من دمية فخارية لحيوان لم يبق منه سوى الجذع.

 

5- مجموعة من الكسر الفخارية ذات نقوش جميلة لمجموعة غلايين وكسر فخارية تعود لأواني فخارية وكسر زجاجية منها ما يعود لسقف الحمام القمرية وهو من النوع السميك الملون ومنها رقيق يعود لآنية زجاجية تعود للفترة الإسلامية.

 

وقد تم الكشف من خلال أعمال التنقيب في القلعة لمواسم متتالية عن أبنية سكنية و مجموعة من الآبار والمعاصر وأرضية حجرية مبلطة وصهاريج لتخزين المياه إضافة الى كتابة إسلامية وقد تم العثور على مجموعة من الكثر الفخارية التي تحمل زخارف نباتية وهندسية بديعة جسدت بألوان مختلفة على أوان منزلية.

 



ورغم أن مجمل المعالم الظاهرة في القلعة تعود إلى الفترة الإسلامية ولكن يعتقد بأن القلعة تعود إلى فترة العصور الكلاسيكية لأن الدلائل الأثرية الموجودة في محيطها هي من الفترة الكلاسيكية في كل من قرية الزريقة و كاف الحمام و بسطريام، لذا لا بد من أن تكون القلعة مسكونة خلال تلك الفترة وهذا ما ستؤكده معطيات أعمال التنقيب لاحقا.

 

 

 

 

   رزان محمد

 


عدد القراءات: 2773

اخر الأخبار