تعد كنيسة حنانيا أو الكنيسة المصلبة من أقدم كنائس العالم، حيث تعود للحقبة الرومانية، وتقع في حي حنانيا أحد الأحياء التاريخية العريقة في حي باب توما الدمشقي بالقرب من الشارع المستقيم مدحت باشا.
كانت معبداً وثنياً ، وتحولت بعدها إلى كنيسة يُطلق عليها «بيت حنانيا» وما زالت محافظة على معالمها الأثرية. وهذا المقام هو حجرة تحت الأرض يُنزل إليها بأكثر من سلم حجري وتعود إلى أكثر من ألفي عام.
تعمد في هذه الكنيسة بولس الرسول على يد القديس حنانيا، وقد رممت أيام الدولة الأموية700/ 712 م، ورُممت عدة مرات بعد ذلك.
يتألف مدخل الكنيسة الخارجي من باحة صغيرة ينتصب على جانبيها تمثالان، أحدهما يمثل حادثة تعميد حنانيا لشاؤول، ويجسد الآخر حنانيا واقفاً بيدين مشرعتين إلى السماء.
وصف كنيسة حنانيا
حافظت هذه الكنيسة على نمطها الدمشقي الأرثوذكسي، فأرضيتها مبلطة بالبلاط المجزع الكبير بفواصل سوداء، ولها ثلاثة أروقة محمول كل منها على ثلاثة أعمدة مربعة الشكل تتكىء عليها الشعرية.
فيها (أيقونسطاس) خشبي غير محفور بثلاثة أبواب ملوكية، وتحت سقف الكنيسة مباشرة في الأعلى وضعت رايتان روسيتان جميلتان، واحدة للسيد، والثانية للسيدة، والسقف مماثل لسقوف البيوت العربية الدمشقية الشهيرة في سوريا المسقوفة بأشجار الحور والصفصاف.
تنتشر مقاعد المؤمنين في وسط الكنيسة في الأروقة الثلاثة، بالإضافة إلى صف من المقاعد الجدارية الخشبية على محيط الكنيسة، وعرشين: أحدهما بطريركي والثاني أسقفي.
أما العرش البطريركي فعليه عبارة تفيد أنه إهداء من كنيسة السيدة بطريركية الروم الكاثوليك، وهوفخم مصدّف ومتقن الصنعة وبالإضافة إلى الكثير من الأيقونات الرائعة الجرسية، وفيه برج الجرسية الاسمنتي، وقد كان خشبياً جميلاً، ولكنه استبدل إبان الترميم عام 1983 ببرج إسمنتي يظهر من بعيد بوضوح لأنه كان آيلاً للسقوط.
كنيسة حنانيا من الداخل
تغيرت المعالم الأساسية للحائط ، واتضح ذلك من الحجر البازلتي الذي بني به مع الكنيسة، والذي اختفى إبان الترميم تحت الطبقة الاسمنتية المدهونة باللون الأبيض الداكن. أما المعالم التاريخية القديمة لبناء الكنيسة فتتضح في الداخل.
تعلو لافتة رخامية أحد الأبواب كتب عليها: (كنيسة القديس الرسول حنانيا الأرثوذكسية تأسست عام 1815) هذا التاريخ يدل على إعادة بناء الكنيسة.
في الزاوية الشمالية الشرقية باب ضيق، بعد دخوله يجد الزائر سُلّماً ذا درجات حجرية صغيرة، يضطر المرء عند نزولها لخفض قامته، لتنقله هذه الدرجات خمسة أمتار في عمق المكان، وتعود به إلى ألفي عام من عمر الزمان.
هناك تحت الأرض، تتألف الكنيسة التي هي ـ في الأصل ـ كهف طبيعي من قاعتين، الأولى متطاولة شمالاً وجنوباً، وهي الكبرى ممثلة الكنيسة. والأخرى صغيرة تقع في الزاوية الشمالية الغربية من القاعة الكبرى. أما الأرضية، فهي مبلطة بالبلاط المجزع الكبير بفواصل سوداء.
عندما تدخل من الباب مباشرة إلى حرم الكنيسة الجنوبي تجد أنك في ساحة سماوية بسيطة تشبه مثيلاتها من البيوت الدمشقية، وهناك غرف أرضية وعلوية من الجهتين الشرقية والغربية.
والكنيسة مربعة الشكل تتألف من طبقة أرضية وشعرية للنساء وقبة مربعة، يحيط بها من جانبيها الجنوبي والشمالي فناء أو فسحة سماوية، أما جانبها الغربي فهو عبارة عن دهليز مسقوف يتسع قليلاً ويؤدي إلى درج الشعرية.
يوجد ثلاثة أبواب خشبية تحت الأروقة محاطة بزخارف دمشقية جميلة جدا، وهي محفورة ومقطعة بفن جميل، ولونها بني كلون بقية قطع الأثاث والأيقونسطاس والنوافذ والمقاعد.
أما فوق الباب الغربي، فتعد النقوش الحجرية هي الأصل بين هذه الأبواب الثلاثة، هناك رخامة تعلو هذا الباب كانت على ما يبدو تحمل نقوشاً طليت حين الترميم ويفضي آخر الدهليز في يسار الجهة الشمالية إلى صالون صغير كان غرفة إدارة مدرسة حنانيا الرسول الأرثوذكسية تعلوها غرفة مماثلة يدخل إليها من الشعرية.
اللوحات الموجودة في كنيسة حنانيا
هناك ثلاث لوحات في صدر الكنيسة الحجرية :
تروي أولاها حادثة أخذ بصر شاؤول، أما الثانية فتصور حنانيا واضعاً يده على شاؤول ليعيد له البصر، في حين تقصّ الثالثة واقعة نزول بولس في سلة من على سور دمشق هرباً من الموت بعد الوشاية به.
تثير أجواء القاعة ولوحاتها فضول الزائر وتحرك في نفسه أسئلة عن تفاصيل قصة بولس وأسفاره، ما تلبث هذه الأسئلة أن تجد الجواب عنها في اللوحات المعلقة على جدران حجرة جانبية.
تروي هذه اللوحات قصة بولس الدينية، ورحلاته الأربعة التي أخذته إلى القدس وأنطاكية، بالإضافة إلى قبرص وبلاد اليونان وكريت، ليصل بعدها إلى روما حيث ينهي مسيرته التبشيرية على يد سياف نيرون.
القديس حنانيا
يؤكد لنا االتقليد الشرقي أن حنانيّا كان أحد تلامذة السيد المسيح الذي يكلمنا عنهم القديس لوقا، وأنه قدم الى دمشق بعد رجم القديس استيفانوس ثم رسمه الرسل أسقفاً لكنيسة دمشق.
وحنانيا هو قديس مسيحي، لا يُعلم أين ولد، ويرجّح أنه من أبناء دمشق، وقد سكنها في بدء انتشار الديانة المسيحية وكان مبشراً لها.
كان حنانيّا يبشر بالايمان المسيحي البلاد السورية لجأ إليه شاؤول الذي أصبح اسمه فيما بعد (القديس بولس)، وتقبل منه العماد، وشفاه من مرضه، سافر حنانيا إلى عدة جهات مبشراً بالإنجيل، واحتمل أشد أنواع الاضطهاد والعذاب، وقُبض عليه في عهد الحاكم الروماني ليكينيوس، وجلد بأعصاب البقر، ومزق لحمه، ثم رجم بالحجارة حتى مات، وإليه نسبت كنيسة حنانيا في دمشق ومات حنانيّا في اليوم الأول من شهر تشرين الأول مرجوما بالحجارة خارج سور دمشق. ونقل المسيحيون جثمانه إلى داخل المدينة.
وهكذا حافظت هذه الكنيسة القديمة على أصالتها ورونقها رغم توالي القرون، فظلت دمشقية الروح في زخارفها وتزييناتها الحجرية والخشبية وفي بنائها وتقسيماتها وطرازها المعماري، لتكون منارة مضيئة في تاريخ دمشق تروي قصة الحب الأزلي بين الله والإنسان وذلك من قلب أعرق أحياء دمشق القديمة.
رزان محمد _ تصوير ثراء جعفر