شارك
|

قلعة الكهف ... حصن طبيعي .. شاهد على حضارة متطورة

تاريخ النشر : 2015-12-20

تقرير: عبد الرحيم أحمد


تحتل قلعة الكهف التي يطلق عليها اسم قلعة (كفّ الحمام) أو (كاف الجاع) رأس تلة صخرية تتوسط تلال خضراء متراصفة يخّيل للواقف عليها أنه يقف على سقف العالم، ورغم أن التنقيبات الأثرية في القلعة، التي تكسو محيطها أشجار السنديان والبطم والقطلب، لم تأخذ بُعدها الكافي بعد، غير أن الظاهر منها على طبيعته يظهر مهارة الأقدمين في تطويع الصخر لاستخدامات حضارية تتنوع بين جمع الماء ونقله عبر أنابيب فخارية إلى حمامات في أسفل القلعة وربما لأغراض الشرب، وأغراض عسكرية دفاعية شديدة التحصين.


تقع القلعة في محافظة طرطوس على بعد 15 كم شمال مدينة الشيخ بدر فوق جرف صخري مرتفع معزول عما يحيط به بوديان سحيقة ويمتد من الشرق إلى الغرب بطول 600 متر وعرض يزيد عن 25 متراً ، ويصل المرء إليها عبر طرق معبدة من جهة الشرق، وما أن تحط قدماه على بداية الطريق الوعرة التي تصل إلى قمة القلعة حتى يُخيل إليه أنه في مكان بكرٍ لم تطأه قدم إنسان، غير إن هذا الإحساس يتبدل مع وصولنا إلى بوابة القلعة الحصينة التي يستحيل الدخول إليها سوى من خلالها ما جعلها مكانا عسكرياً حصيناَ على الغزاة.


الكهف الحار أو الحمّام الساخن

 

الأثاري بسام وطفة من دائرة آثار طرطوس أوضح لموقع Syria In خلال زياراتنا للقلعة سبب تسميتها باسم (قلعة الكهف)، فهي بحسب اللغة السريانية نسبة إلى الأرض الصخرية والمغاور والكهوف الموجودة في القلعة، أما تسميتها المحلية (قلعة كاف الحمام) فتعني الحمّام الساخن نسبة إلى الحمامات الموجودة فيها أو الكهف الحار الذي يسكنه الحمام. وفي مجمل المعاني ترتبط التسمية بالصخر والكهوف المنحوتة في الصخر. المنطقة التي تحيط بالقلعة محمية طبيعية بموجب قرار من وزارة الزراعة وهي عبارة عن منطقة جبلية مغطاة بالأشجار الكثيفة.


بعد دخول البوابة الرئيسية الوحيدة يقودك درج صخري منحوت بشكل حرف Z للوصول إلى سطح القلعة الذي أزيل عنه الغطاء النباتي من أشجار وأتربة في عمليات التنقيب الأخيرة ليكشف عن حفر منحوته في الصخر لجمع المياه وإيصالها إلى خزانات في جوف الصخر ومنها عبر أنابيب فخارية إلى الحمّامات في أسفل القلعة.


الطابع الغالب على القلعة إسلامي .. مع مؤشرات إلى الفترة الكلاسيكية


يقول الآثاري وطفة أن القلعة مصنّفة إسلامية ويعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وبالرغم من أن المعلومات المتوفرة عنها لما قبل هذا التاريخ قليلة جداً إلا أن هناك مؤشرات ودلائل أثرية كثيرة في القلعة وفي محيطها ضمن القرى المجاورة من الفترة الكلاسيكية، أي الفترة الرومانية واليونانية والبيزنطية، موضحاً أن أعمال التنقيب ستكشف حتماً أنها تعود لتلك الفترة. لكن الزائر يلاحظ سيطرة الطابع الإسلامي عليها حيث النقوش القرآنية على مدخل القلعة وعلى الأبراج المتبقية.


تبدو القلعة كمعظم القلاع في المنطقة الساحلية ذات أهدف ووظائف دفاعية أمام أطماع الغزاة، وهذا ما يؤكده وطفة بأن القلعة كانت إحدى التحصينات الهامة في المنطقة المرتبطة مع تحصينات وقلاع أخرى مثل قلعة القدموس وقلعة الخوابي وقلعة العليقة وقلعة مصياف وقلعة أبو قبيس في الفترة الإسلامية، غير أن هناك مؤشرات على دور أقدم للقلعة يعود للفترة الرومانية من خلال الجسور المقامة لربطها بالمناطق الطبيعية المعقدة المحيطة بها عبر الوديان السحيقة كجسر الحاج حسن والجسر الواقع قرب طاحونة المخاضة.


ويضيف أن القلعة استخدمت مخفراً وحصناً مركزياً على الطريق الأوسط الذي يصل البحر الأبيض المتوسط من الغرب مع وادي العاصي في الشرق حيث كان الطريق يبدأ من مرفأ مدينة مرقية البيزنطية على البحر شمالي طرطوس. ويسار وادي نهر مرقية حتى قلعة الكهف ومنها إلى الشعرة فقلعة مصياف وصولا إلى حماه وحلب.


الأهمية العسكرية للقلعة جعلتها هدفاً لكل الغزاة


يوضح وطفة أن القلعة احتلت من قبل الصليبيين عام 1128م ثم استردها أبن عمرون عام 1132م والذي باعها للداعية في بلاد الشام شهاب الدين أبو الفرج الملقب بالفراسة الذي أقام فيها مركزاً دينياً ومركزاً عسكرياً للتدريب، وبعد وفاته عام 1162م جاء داعي الدعاة المولى (سنان راشد الدين ) المشهور بلقب شيخ الجبل الذي زاد في تحصيناتها ومنشآتها وأسس فيها مدرسة الفدائية بعد استلامه رئاسة قلاع الدعوة من سلفه الشيخ (شهاب الدين أبو الفرج).


ويضيف أن الكونت هنري دي شامبانيا الصليبي زار القلعة عام 1193م كما زارها الداعية جلال الدين حسن عام 1194م. وفي العام 1260 احتلها المغول لتخضع بعد ذلك للسلطان الظاهر بيبرس في عام 1268، وفي الفترة المملوكية الممتدة من عام 1269 – 1516 م صارت القلعة مركزاً لناحية الكهف، غير أنها ومع الاحتلال العثماني عام 1516-1817 م تعرضت للتدمير ونقل مركز الناحية إلى قلعة القدموس.


ما تبقى من القلعة اليوم قلعة متهدمة ولها سور مدعم بثلاثة أبراج يتخلل السور طلاقات لرمي السهام تحوي القلعة على أدراج وآبار وصهاريج مياه ومعاصر زيتون وعنب وأقبية وحمام وبناء طابقي كان يشكل المقر الأساسي لقيادة الحامية العسكرية وأغلب الآثار مغطاة بالأشجار والتراب، لذلك فهي بحاجة إلى سرعة في أعمال الاستكشاف والترميم.


ويذكر وطفة أن أعمال التنقيب والكشف الأثري في القلعة بدأت منذ عام 2002 وقد تم إزالة الغطاء النباتي من على سطح القلعة فقط بعد أخذ موافقة وزارة الزراعة كون العقارين التي تقوم عليهما القلعة والحمام لهما صفة حراجية. وقد تم خلال أعمال التنقيب الكشف عن عدد من صهاريج المياه قسم منها مبني والآخر منحوت في الصخر الطبيعي والآبار والغرف ومعاصر الزيتون والعنب والقنوات والاقبية وفرن ناري كان يستخدمه الحدادون وتم العثور على بعض النقود البرونزية ورؤوس النبال والكسر الفخارية التي تحمل رسوم وزخارف نباتية وهندسية وبعض الكتابات الإسلامية المنقوشة.

 


القلعة تحتاج إلى استكشاف شامل


وحول أسباب عدم توسيع أعمال الاستكشاف من قبل دائرة آثار طرطوس أكد وطفة ضرورة تعاون الجهات المعنية ولاسيما وزارات الزراعة والسياحة والثقافة والأوقاف والإدارة المحلية وغيرها من أجل رصد الاعتمادات المالية اللازمة وتسهيل أعمال الكشف والتنقيب وفتح طريق حول القلعة وإزالة الأشجار التي تغطي الآثار ولاسيما تلك التي تضرر جسم القلعة بسببها مشيراً إلى أن وجود صفة حراجية على القلعة تعيق أعمال التنقيب الأثري.


وبعد مشاهدة القلعة لابد لنا من التأكيد على أهمية السرعة في استكشافها وترميم مايمكن ترميمه وتخديمها طرقياً وحمايتها من الأيدي العابثة ولاسيما في الظروف التي تتعرض فيها بلدنا لحرب ظلامية إرهابية تستهدف الإنسان السوري وحضارته العريقة وتعمل على مسح تاريخ منطقتنا من خلال تدمير الآثار والأوابد التاريخية التي تعتبر كنوزاً للسياحة وللجمال.


عدد القراءات: 10691

اخر الأخبار