شارك
|

كمال بلان.. الأصالة الشرقية تلمع في روسيا

تاريخ النشر : 2016-11-05

حوار: فرح مخيبر

 

مغنٍ وعازف وملحن ومصمم رقصات وممثل أيضاً.. وليس بغريب أن يكون هذا الفنان الشامل من أبناء سورية، بلد الفن العريق،  ليكون ممثلاً لبلده بفنه خلال سنوات غربته الطويلة.. إنه الفنان كمال بلان ابن محافظة السويداء، وكان لموقع "المغترب السوري" حواراً معه تحدث فيه عن رحلته الفنية في بلاد الاغتراب وإسهاماته في نقل الأصالة الشرقية للفن الروسي.

 

هدفي خلال رحلتي الفنية إبراز آلة العود في الموسيقى العالمية

 

ينحدر كمال بلان من عائلة موسيقية بالفطرة، تربطه القرابة والصداقة بالفنان الكبير الراحل فهد بلان، وهذا ما ترك أثراً كبيراً في حياة الطفل الحالم كمال بلان من حيث الولع بالموسيقى واستيعاب اللحن.
يحدثنا بلان عن بداية رحلته الموسيقية قائلاً: "بدأت رحلتي مع الموسيقى بتعرفي على الصديق الذي لم يفارقني يوماً وهو العود العربي، حيث اشتركت خلال الدراسة الإعدادية بحفلات المدرسة بعد انتسابي لنادي الفنانين في السويداء ومنها إلى حفلات الثانوية، وبعدها حالفني الحظ بالاشتراك ببرنامج "نجوم وأضواء" حيث عزفت تقاسيم الفنان فريد الأطرش المشهورة، بمهارة و"تكنيك" مميزين".
يتابع بلان: "بعدها سافرت إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة عام 1973 ولم تفارقني آلة العود التي كانت الأنيس لي في غربتي والكتف الذي كنت أبكي عليه عند الصعوبات، شاركت في الحفلات الخاصة بمعهد الهندسة المدنية الذي كنت أدرس فيه وكذلك في حفلات المدينة الموسيقية، وبعد أن أنهيت الماجستير عدت إلى بلدي الحبيب سورية عام 1983 لأعمل بمجال دراستي، وهذه الفترة كانت من إحدى الفترات المميزة في حياتي لأنني لم أنجح في مجال عملي كمهندس مدني فحسب، بل قضيت هذه الفترة برفقة صديقي الفنان الراحل فهد بلان، وكنت كذلك أحد مؤسسي فرقة الدرب مع الصديقين مزيد أبو لطيف (أبو خليل) وحسن عبد الدين، حيث قمنا بتلحين مجموعة من قصائد شعراء المقاومة وغيرهم، ومن بين هذه الأغاني "سأقاوم" للشاعر سميح القاسم، و"أموت اشتياقاً" و"لأجمل ضفة أمشي" للشاعر محمود درويش".
يضيف بلان: "وشاءت الأقدار أن أعود مجدداً إلى الاتحاد السوفييتي عام 1989، حيث بدأت مسيرتي الفنية المهنية وأسست أول فرقة للموسيقى العربية القديمة في موسكو حيث كان أعضاؤها من مختلف  البلدان العربية، ولكن طموحي لم يقف بي عند هذا الحد, فقمت بتأسيس فرقة سيمفونية كان الهدف منها إبراز آلة العود في الموسيقى العالمية، وتم توزيع أكثر من أربعة وثلاثين عملاً للفرقة السيمفونية التي أسستها تصدر العود أداءها بين مختلف الآلات العالمية، وبالإضافة إلى الموسيقى العربية والغربية التي كانت تعزفها الفرقة أيضاً كانت تعزف موسيقى من ألحاني ومنها "طيران"، و"حديث الريح" و"فالس الأندلس" وتانغو "ترحل" و"مزاج موزارتي" وغيرها".."وكوني أقيم في روسيا منذ زمن طويل لذا يسميني البعض هنا بالروسي العربي كوني أكتب شعراً ونثراً باللغة الروسية ولكن بروح شرقية".

 

كنتُ أول من أدخل آلة العود إلى صالة تشايكوفسكي العالمية


ومن أهم إنجازاته على صعيد الموسيقى كان إدخاله العود إلى الأوركسترا الروسية، يقول بلان: "في روسيا كنت أول من أدخل آلة العود إلى واحدة من أشهر صالات الموسيقا الكلاسيكية في العالم، وهي صالة "تشايكوفسكي" متصدراً الفرقة الحكومية الأكاديمية الروسية للآلات الشعبية التي يزيد عدد أفرادها عن مئة عازف بعزفي صولو  في "سماعي شت عربان" ومقطوعة "فرح" من ألحاني"، كانت الفكرة إبراز العود بين الآلات الشعبية الروسية كآلة لا مثيل لها من حيث الغنى في الإمكانيات والدفء في الصوت فأنا تعودت ومنذ عشرين عاماً أن أعزف على عود بسبعة أوتار وهذا ما يكسب الآلة إمكانيات أوسع وأغنى".
كما اشترك بلان بتلحين الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام الروسية مثل "لعبة التبييت التركي" و"الفصيلة التاسعة" و "الغرباء" الفيلم الروسي الأمريكي المصري المشترك، حيث قدم فيها أروع الألحان، وقام بتلحين عدد من الأغاني الوطنية ومنها أغاني للجيش السوري البطل وأغنية على طراز أغاني العصر الذهبي، يضيف: "حينها أعربت الفنانة الكبيرة ميادة الحناوي عن رغبتها في أدائها".

 

أغنية للجيش السوري في قصر المؤتمرات بالكرملين

 

وكان آخر ما قدمه الفنان كمال بلان على خشبة قصر المؤتمرات بالكرملين بمناسبة عيد "حماة الوطن" في روسيا في 23 من شباط هذا العام، ممجداً بطولات الجيش العربي السوري في أغنية "جبينك عالي يا سورية"، يقول بلان: "لقد وفّقت بظهوري في قصر المؤتمرات بالكرملين في أغنية عن الجيش السوري من كلماتي وألحاني، وقمت بصنع فيديو كليب خاص بهذه الأغنية، يظهر بطولات الجيش السوري"، وجديد أعمالي "حزنت دمشق" من كلمات الكاتب الدكتور ممدوح حماده وألحاني وتوزيع العبقري الروسي أنطون بوكانوف وأداء المغنية الأوبرالية أولغا آيسينا، مضيفاً "وقد قدمت طلباً عن طريقة سفارة سورية في موسكو إلى وزارة الثقافة راجياً تنفيذه في دار الأوبرا بدمشق، حيث أنني أتشرف بتقديم حفلاً لأغاني الوطنية على أرض بلادي".

 

 

مدرسة للرقص المسرحي تعيد الشرف لفن الرقص الشرقي

 

بالإضافة إلى عشقه للموسيقى يقوم بلان بتصميم الرقص المسرحي فخلال عزفه في المطاعم العربية وجد أن الفتيات الروسيات اللواتي يعملن كراقصات لا يعرفن ولا يستطعن التمييز على أي موسيقى يرقصن بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي يقابلن بها، فكان كمال سباقاً لتغيير هذه النظرة للرقص الشرقي الذي يعد من التراث والفلكلور العربي، فقام بتعليم الفتيات على تمييز الموسيقى وحوّل الرقص من رقص رخيص إلى رقص مسرحي، فأسس مدرسة للرقص المسرحي تعتبر اليوم من أشهر مدارس تعليم الرقص الشرقي في موسكو، وقدم العديد من الرقصات المسرحية التي "أعادت الشرف لفن الرقص الشرقي الذي أخذ في السنوات الأخيرة منحاً منحرفاً" على حد تعبيره، ووضع عدداً من المسرحيات الخاصة بمدرسته ومنها مسرحية "سفينة نوح" ومسرحية "رقص الحياة" حيث كان هو المؤلف والمخرج ومصصم الرقصات في هذه الأعمال الضخمة.

 

مسرحيات عربية على مسارح روسيا

 

كمال بلان ليس عازفا ومؤلفا للموسيقى فحسب بل إنه ممثل موهوب أيضاً، فقد قدم العديد من المسرحيات على خشبات أشهر مسارح موسكو يحدثنا عن ذلك قائلاً: "للأسف الشديد هناك ضعف من قبل الإعلام العربي في نشر الثقافة والتراث لدى الغرب، فقد لاحظت وجود عدد قليل من القصص الشرقية المعروفة لدى المجتمع الروسي مثل "علاء الدين والمصباح السحري" و"ألف ليلة وليلة" و"السندباد"، لذا تولدت لدي فكرة تقديم مسرحيات استعراضية راقصة تحمل مواضيع مختلفة من بينها "سفينة نوح" و"سندباد" و"الحياة رقصاً" وغيرها من المسرحيات ذات المغزى الفلسفي الحياتي، وكنت أنا مؤلف ومخرج ومصمم هذه المسرحيات الراقصة"، مضيفاً :"الإقبال الروسي على مثل هذا النوع من المسرحيات كان كبيراً جداً، وصالة المسرح دائماً كانت ممتلئة وخاصة أن هناك مغزى فلسفي من هذه المسرحيات تجعل المشاهد يغوص في بحر من الأفكار".
وعن تجربته التمثيلية في الأفلام والمسلسلات يتابع: "مثلت في عدد من الأفلام الروسية، وتجربتي الصعبة كانت في مسلسل روسي تحت عنوان "الوطن" وهو النسخة الروسية من الفيلم الأمريكي "ذا هوملاند"، وكان دوري هو مستشار سفير السعودية في موسكو، وهي شخصية تمول الإرهاب بشكل سري، ولكن في نهاية المطاف يتم كشفها وإجبارها على التعاون مع المخابرات لكشف خلية إرهابية، كانت تجربة صعبة ولكنها، لاقت نجاحاً لم أنتظره".

 

 

أحاول وضع بصمة فنية سورية في روسيا آمل ألا تكون الأخيرة

 

وفي إجابة لسؤالنا عن واقع الفن السوري في روسيا يقول بلان: "إن الفن السوري عموماً في روسيا ما يزال فقيراً ضعيف القوام، حيث أنه يقتصر على الدبكة وبعض الرقصات الشعبية في الفعاليات الطلابية، وبعض المعارض الفنية، لأنه وللأسف الشديد، قلائل هم الذين يعون دور الفن في نشر الثقافة والتعرف على حضارة وطننا سورية مهد الحضارات، وخاصة في ظل الأحداث التي تعيشها سوريتنا الحبيبة، فالفن يوحّد ما تفرقه السياسة والدين، ولا بد من أن يكون له دوراً كبيراً في إيقاظ مشاعر الناس لما يحدث في وطننا، إلا أن هذا الأمر يفوت على الكثيرين"، مضيفاً: "أريد ان أترك شيئاً يستفيد منه العقل والروح البشرية، وأحاول أن أترك بصمتي الفنية السورية من خلال ألحاني وأغانيّ التي تقدم على مسارح موسكو، مثل أغنية "هالأسمر اللون" التي تصدح على مسرح تيريزا دوروفا ضمن مسرحية "علاء الدين والمصباح السحري"، وأغنية الجيش في قصر المؤتمرات بالكرملين وغيرها، وآمل أن لا تبقى بصمتي وحيدة وإنما تشاركها بصمات من السوريين المقيمين هنا سواء بالدعم أو بالمشاركة".

 

الشهرة تتطلب دعماً مادياً ومعنوياً من قبل الوطن الأم

 

يريد بلان الوصول إلى قلب المواطن السوري والعربي كما وصل إلى قلب المواطن الروسي فنياً "فالفنان دون اهتمام ودون شهرة كالمركب دون قبطان في عرض البحر، والذي حققته هنا في روسيا بدعم من دائرة الثقافة والفنون ودعم من أصدقائي الروس وشهرة واسعة والحمد لله، واهتمام كبير من الإعلام الروسي بي، وهذا للأسف الشديد ما افتقده في وطني سورية"، يتابع: "إن الوصول إلى ذروة الشهرة في بلد غريب لأمر صعب للغاية وقد حالفني الحظ في ذلك، ولكن المشكلة أن المحافظة على هذه الشهرة تتطلب دعماً مادياً ومعنوياً من قبل الوطن، حيث لم أر ذلك بعد"، مضيفاً: "ولكنني لا أحمّل الوطن ذنباً ذلك لأن الإعلام السوري على وجه الخصوص قل ما يلقي الضوء على أعمالي، فمن أين للوطن أن يسمع عني أو يعرف بي لفتح أحضانه لي".
"وبالنسبة لي عندما يذاع اسمي المناط باسم سورية الحبيبة على مسرح من المسارح أو في قناة تلفزيونية ما "كمال بلان من سورية" تكون هذه الجملة هي لحن قلبي وفخر انتمائي، وقد تعمّدت ارتداء الزي العربي بمختلف أنواعه وذلك لإيصال فكرة هامة للعالم أجمع وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في أمريكا بأن العرب ليسوا جميعاً إرهابيين وإنما هم صناع حضارة وثقافة وفن وتراث".

 

ارفعوا راية سورية عالياً وحافظوا على أصالتها

 

يرى كمال بلان أنه مهما قدم فهو يبقى مقصراً بحق الفن السوري وبحق ثقافة وحضارة بلاده التي تمتد جذورها عميقاً في التاريخ، متمنياً أن يكون الفن السوري راضياً عنه من خلال ما يقدمه ويتمكن من نشره في سائر أنحاء العالم وخاصة في ظل الأحداث الراهنة، ليتعرف العالم على قسوة هذه الأحداث بحق الحضارة التاريخية والثقافة والتراث السوري الذي يتعرض لانتهاك فاحش وتدنيس للقيم الحضارية والإنسانية أيضاً، خاتماً لقائه مع "المغترب السوري" بكلمة وجهها للفنانين السوريين في بلاد الاغتراب: "لا بد من التواصل دائماً وأبداً مع الوطن الحبيب وتكريس كل ما في وسعكم من أجل رفع راية سورية عالياً ونشر حضارتها والحفاظ على أصالتها".


عدد القراءات: 7059

اخر الأخبار